الشيخ عبد الله كنون ومطالب العلماء إبراهيم الوزاني

في الوقت الذي تتباطأ فيه المؤسسات الدينية المغربية في القيام بدورها الريادي في تأطير المجتمع والإسهام في إصلاحه من خلال تصحيح المفاهيم ومواجهة الأفكار الهدامة والمبادئ المادية التي تنشر المجون والرذيلة، يعلن العلمانيون قدرتهم على إلجام أفواه العلماء من خلال تحريك وسائل ضغطهم المتنفذة، حتى إذا ما أظهر أحد الدعاة الحق ونادى به في الأشهاد كان مصيره الإعفاء من خدمة توجيه وإصلاح المجتمع..

غير أن علماء المغرب ما فتئوا يبينون للناس الحق آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، لا تأخذهم في الله لومة لائم، من خلال تقديم مطالبات تظهر حرصهم على القيام بواجبهم الذي كلفهم الله سبحانه وتعالى به وائتمنهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وللوقوف على ذلك نطلع على مطالب العلماء من خلال كلمة العلامة عبد الله كنون -أمين رابطة علماء المغرب ما بين 1960/1987- التي ألقاها في افتتاح المؤتمر العاشر للرابطة سنة 1987 بمدينة الراشيدية، ومما قال فيها رحمه الله:
“على العادة نجدد المطالبة بمعنى التأكيد على المواقف التي اتخذناها أكثر من مرة باستنكار ما لا يمكن السكوت عليه من مخالفات للشرع المطاع، بحكم أننا لا نملك تنفيذ ما نطالب به ونحمد الله على أن الشرع الذي كلفنا بالنهي عن المنكر ولم يجعل لنا رخصة في ذلك، جعل لنا مندوحة من التنفيذ لأنه بيد من أمر به بحسب ما قرره العلماء في تبيين الحديث الشريف القائل “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.
فنطالب بمنع الخمر أم الخبائث وصنعها وتعاطيها، كما يعاقب متناول المخدرات ومروجها.
نطالب بمنع القمار بجميع أنواعه، ومنه اليانصيب، وإغلاق الأماكن المعدة له من نواد بقرب المدارس من أوكار وغيرها، ولا سيما ما يفتح من ألاعيب قمارية يستدرج لها التلامذة.
نطالب بمنع التبرج وظهور النساء والفتيات في الشوارع العمومية شبه عاريات ولا سيما في الصيف، وتهافتهن على الشواطئ والمسابح العمومية مختلطات بالرجال والشبان على حالة لا يقرها دين ولا خلق.
نطالب بالضرب على يد مروجي العهر والفساد والشذوذ الجنسي، وإغلاق الأماكن المشبوهة التي تقصد لذلك من فنادق ودور خاصة، تطهيرا للمجتمع من وبال هذه الفواحش المدمرة.
نطالب بالتصدي للرشوة وأكل أموال الناس بالباطل وعقاب المتعاملين بها، والمحتالين على المواطنين البسطاء وتشديد الأحكام الزجرية عليهم وعدم المسامحة لهم.
نطالب بمنع الشعوذة واستغلال الدين للتوصل إلى الأغراض الفاسدة والسحر والمواسم التي تتخذ وسيلة للإباحية واختلاط الرجال بالنساء وهتك الحرمات.
نطالب بالرقابة الصارمة على دور السينما والأفلام اللاأخلاقية التي تعرض فيها وتنشر الفسق والفجور وتدرب الشباب على العنف والسرقة والتمرد على جميع القيم والعوائد المحمودة.
نطالب بمنع الإشهار الربوي في التلفزة لما فيه من التزكية الحكومية وتشجيع التعامل بما حرمه الله ورسوله وأجمعت الأمة الإسلامية على تحريمه منذ وجود هذه الأمة.
نطالب بعدم عرض التلفزة للمناظر المؤذية لشعور المواطنين من تبرج وحفلات رقص نسوية أو مختلطة ومسلسلات دولية تروج للرذيلة والتفسخ وعادات السوء.
نطالب ونطالب ولا نفتأ نطالب وذلك قدرنا حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده”، كتاب “مواقف وآراء رابطة العلماء من التأسيس 1960 إلى المؤتمر العاشر 1987”.
ومن تتبع توصيات المؤتمرات العشرة على عهد أمانة العلامة عبد الله كنون سيعلم علم اليقين مدى انخراط العلماء في المشروع الإصلاحي الذي يدل على مدى يقظتهم وحرصهم على ما ينفع العباد والبلاد، وعلى رأس ذلك مواجهة المذاهب الهدامة التي أوفدها علينا المحتل الغاصب قديما وحافظ على استيرادها المستغربون من بعده، وما مظاهر علمنة المجتمع التي غزت أمتنا إلا نتيجة تخاذل بعض حراس الأمن الروحي والأخلاقي للمغاربة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *