تقنين القنب الهندي ورهان التنمية في أقاليم الشمال عبد الصمد إيشن

تباينت ردود الفعل التي أعقبت إعلان الحكومة توجهها نحو تقنين زراعة القنب الهندي، بين مُرحّب بالقرار ومتحفّظ عليه وطرف ثالث يتساءل عن النفع الذي سيعود به التقنين على المزارعين العاملين في هذا القطاع المثير للجدل.

لكن في تقديري لم يتقدم أحد الفاعلين السياسيين بورقة جامعة مانعة تقدم الحل الناجع لما يقع. هل الأمر صدفة؟ أم أننا في الواقع نعيش أزمة نخبة حزبية وسياسية بالمعنى الواسع للكلمة؟ فالحديث عن تقنين زراعة القنب الهندي ومعاناة ساكنة اقاليم الشمال المرتبطة بزراعته هو حديث يتداخل فيه المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

إذ لا يمكن أن نجد حلا لمصير ساكنة أقاليم الشمال المرتبطة بزراعة هذه النبتة، بضرب مصير الشعب المغربي قاطبة، أو العكس. أي أن نغض الطرف عن الواقع المزري الذي تعيش فيه ساكنة أقاليم الشمال بينما نتنعم نحن باقي الساكنة بالخير والنماء.

بذلك يبقى المدخل الحقيقي لايجاد حل للساكنة، التي تتجرع مرارة ظروف العيش يوم بعد يوم، هو المدخل السياسي التنموي دون غيره. هذا المدخل الذي سيقودنا بالفعل لحلول مُرضية سنربح من خلالها كرامة المواطنين بالمنطقة وأمننا المجتمعي كمغاربة.

هذا المدخل التنموي لا نذكره اليوم لأول مرة، كتحليل جديد سنفاجئ به النخب الحاكمة سياسية أو إدارية. هم يعرفونه بالضبط ويعرفون تفاصيله. لكن هناك مسؤولية عظمى يتحملونها في تعطيل تنزيل مشروع التنمية بهذه الأقاليم. لدرجة يمكن أن يطرح المتابع للشأن العام العديد من الأسئلة، من قبيل: من يتواطؤ لكي لا يتم تحقيق برامج التنمية بهذه المنطقة؟ من له المصلحة في استمرار هذا الوضع على ما هو عليه؟

أكيد للعديد مصلحة في استمرار وضع آلاف الفلاحين والمزارعين المشتغلين بإنتاج هذا المخدر وإمداد السوق بالإنتاج على ما هو عليه. وبالتالي أي نقاش عن التنمية وعن البديل الاجتماعي والاقتصادي للساكنة سيعارضونه بل سيفشلونه ويضعون أمامه عشرات الحواجز لكي لا يتحقق وتخسر تجارتهم السيئة (التجارة في المخدرات والإنسان معاً).

أيضا يتحجج هؤلاء بالساكنة لعرقلة كل حل تنموي ناجع، بدعوى أن الساكنة هي التي تحب زراعة “الكيف” وتريد انتاجه وتحمي محاصيلها وتتمنى لأحفادها الاستمرار على “إرث الأجداد”. لكن الواقع يكذبهم تماما.

يستحيل أن يرفض المواطنون في أقاليم الشمال التي تنتشر فيها زراعة هذه النبتة، دواوير وجماعات ومدن تتوفر على مدارس ومستشفيات ومراكز صحية ومرافق عمومية للخدمات، وبديل اقتصادي واجتماعي حقيقي. بل ان مطالبهم للخروج من أزمتهم هي ما أشرنا له بالضبط. أكثر من ذلك هم يدافعون ويدعون لتنفيذ مشاريع تنموية واجتاعية واقتصادية، سينهون به مأساتهم.

بقي لنا الحديث عن معالم هذا المدخل التنموي أو الرهان التنموي بأقاليم الشمال لنقدم رؤية واضحة للقارئ الكريم، عن جدل تقنين القنب الهندي وما ارتبط به من نقاشات زائفة. هذه المعالم يمكن حصرها في طبيعة البديل الاقتصادي والاجتماعي المقدم للساكنة لتقلع عن زراعة نبتة القنب الهندي. وفي أدوار النخب الحزبية والادارية والمجتمعية.

أولا، طبيعة البديل الاقتصادي والاجتماعي:

لابد للبديل الذي سيرحب به المواطنون في المنطقة، أن يؤمن لهم كل حاجياتهم الأساسية من صحة وتعليم وعيش كريم. أضف الى ذلك البنيات التحتية التي ستنقذهم من عزلتهم وسط الأجبال الوعرة، عبر اصلاح الطرق وتوفير المياه والكهرباء وشبكات الاتصال وخدمات الثقافة والمناشط التربوية والرياضية. أيضا، ايجاد أنشطة اقتصادية مدرة للدخل بالمنطقة سواء ذات طبيعة فلاحية أو صناعية أو سياحية يمكن أن تدمج أبناء المنطقة وتعوضهم عن زراعة “الكيف”.

ثانيا، أدوار النخب الحزبية والادارية والمجتمعية:

على الأحزاب أن تضع برامج سياسية تدافع فيها بقوة عن البدائل التنموية والاقتصادية بأقاليم الشمال، وتشجيع أنشطة بديلة عن زراعة “القنب الهندي”. كما على السلطات لعب دور الوساطة في الميدان لتشجيع الناس على الانخراط في البدائل الجديدة وابعادهم عن زراعة نبتة القنب الهندي. أيضا.

لا يمكن أن نغفل أدوار الوساطة المجتمعية التي تشتغتل في مجال الوعظ والارشاد وجمعيات المجتمع المدني. التي تساهم في توعية الناس وتحسيسهم بضرورة الانخراط الجاد في برامج التنمية والتحديث بأقاليم الشمال، عوض التشبث بزراعة نبتة تفسد أكثر مما تنفع البلاد والعباد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *