موقف علماء المالكية الأخيار من المجاهر بالإفطار نور الدين درواش

لقد عُرف عن المسلمين عموما والمغاربة على وجه الخصوص، منذ فجر الإسلام تعظيمُ فريضة الصيام وإحاطتُها بسياج من التوقير لا يكاد يستطيع معه غير المسلمين المجاهرة بالفطر في نهار رمضان في بلاد الإسلام.

وهذا ولا شك أمر تشهد له نصوص الشريعة ومنها قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج32].
وبقي المسلمون على هذا حتى نبتت فيهم نابتة سوء، تحاول التطاول على مشاعر المسلمين وإهانة مقدساتهم؛ وذلك بلجوئهم إلى الإفطار علنا في نهار رمضان، باسم الحرية… وهم لعمر الله غارقون في العبودية للنفس، والرِّقِّ للشيطان، والتبعية لأسيادهم الذين أمْلَوا عليهم هذا الأمر الفظيع والمنكر الشنيع.
ولما كانت المجاهرة بالمعاصي التي لم يرد فيها حد شرعي سبيلا لاستمرارها واستصغارها وإلفها وتهيئة أسبابها، كان لابد على من ولاه الله أمور المسلمين أن يأخذ على يد المجاهر ويُعَزِّره بما يكون رادعا له ولغيره ومانعاً، وهذا ما تقتضيه السياسة الشرعية وهو أمر معروف عند أهل العلم؛ إذ “التعزير: هو عقوبة غير محدودة يُترك تقديرها للإمام، وهو تأديب بالضرب أو الشتم أو النفي أو المقاطعة، وهو واجب في كل معصية لم يضع الشارع لها حدا ولا كفارة كسرقة ما دون النصاب” [الإجماع عند أئمة أهل السنة الأربعة ص:180،وأنظر الذخيرة للقرافي 12/118].
والذي يعزر هو ولي الأمر أو من يقوم مقامه، قال شيخ الإسلام: “الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور.. (والتعزير) أجناس فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام، ومنه ما يكون بالحبس، ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن، ومنه ما يكون بالضرب فإن كان ذلك لترك واجب..” [مجموع الفتاوى 28/107].
قال الشيخ خليل في مختصره في الفقه المالكي: “واُدِّب المُفطر عمدا إلا أن يأتي تائبا” [ص:59].
قال شارحه في منح الجليل [1/412]: (و) وجب (أدب) أي: تأديب ومعاقبة الشخص (المفطر) في أداء رمضان (عمدا) اختيارا بلا تأويل قريب بما يراه الإمام من ضرب أو سجن أو منهما معا..”.
وقال ابن الحاجب: “ويؤدب المُفطر عمدا فإن جاء تائبا فالظاهر العفو”.
وقال ابن عرفة: “ويؤدب عامد فطره انتهاكا إن ظهر عليه”. [انظر كلام ابن الحاجب وابن عرفة في منح الجليل:1/412].
وقال اللخمي :”من ظهر عليه أنه يأكل ويشرب في رمضان عُوقب على قدر ما يُرى أن فيه ردعا له ولغيره من الضرب أو السجن أو يجمع عليه الوجهان جميعا الضرب والسجن، والكفارة ثابتة بعد ذلك” [التاج والإكليل: 3/276].
ولا شك أن ما يتضمنه الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي والمتعلق بمن أفطر علنا في رمضان يعتبر من هذا القبيل أما المطالبون بحذفه فنقول لهم:
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خيــر *** ولا الدنيا إذا ذهب الحيـاء
إذا لم تخش عاقبة الليــــالي *** ولم تستح فاصنع ما تشاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *