حق الوالدين عظيم، ومنزلتهما عالية في الدين؛ فبرهما قرين التوحيد، وشكرهما مقرون بشكر الله عز وجل، والإحسان إليهما من أجل الأعمال، وأحبها إلى الكبير المتعال.
قال الله تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً” النساء.
وقال الله تعالى: “قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً” الأنعام.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: “سألت رسول الله: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت: ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله” البخاري ومسلم.
ثم إن بر الوالدين خلق أقرته الفطر السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية، وهو خلق الأنبياء، ودأب الصالحين، وهو من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل، وعنوان على كمال الشريعة، وإحاطتها بكافة الحقوق.
بخلاف الشرائع الأرضية التي لا تعرف للوالدين فضلا، ولا ترعى لهما حقا، بل إنها تتنكر لهما، وتزري بهما، وها هو العالم الغربي بتقدمه التكنولوجي وحضارته المادية شاهد على ذلك؛ فكأن الأبوان في تلك الأنظمة آلة انتهت مدة صلاحيتها فضرب بها وجه الثرى.
وقصارى ما تفتقت عنه أذهانهم من صور البر أن ابتدعوا عيدا سنويا سموه زورا وبهتانا: “عيد الأم”، وأنشؤوا لهم دورا للرعاية الاجتماعية يقضون فيها ما تبقى من عمرهم.
هذا منتهى ما توصلوا إليه من صور البر، يوم في السنة لا غير! وبيت بئيس ينعدم فيه الدفء والرعاية الأسرية.
ثم إن مجتمعاتنا الإسلامية التي تأثرت بالثقافة الغربية الوافدة تخلت عن كثير من تعاليم دينها الحنيف، فدبت إليهما مجموعة من الأمراض والآفات المتفشية في تلك المجتمعات، ومن جملتها آفة العقوق، فشريحة كبيرة من شبابنا تلبست بهذه الكبيرة ولم ترع للوالدين حقا. حتى أصبحنا نسمع من يحمل أمه إلى مأوى العجزة، لكيلا تضايق وتزعج زوجته، ومن يقتل أباه لمجرد رفضها إعطاءه بعض المال، ومن تطرد أباها المسن خارج البيت وتستولي عليه، ومن يبصق في وجه أبويه وينهال عليهما بوابل من السب والشتم ومن ومن..
إن العقوق الذي استشرى بين صفوف أبنائنا اليوم وراءه أسباب متعدد منها الجهل بالأحكام الشرعية، وسوء التربية، والصحبة السيئة..
وليعلم الأبناء أن العقوق دين لا بد من قضائه في الدنيا قبل الآخـرة، فكما تدين تدان، فإن بذلت البر لوالديك سَخَّرَ الله أبناءك لـبرك، وإن عققت والديك سَلَّط الله أبناءك لعقوقك، ستجنى ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخـرة، ففي الحديث الذي رواه الطبراني والبخاري في التاريخ وصححه الألباني من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه قال: “اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين”.
نحن في الواقع لا ينقصنا العلم بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة في فضل بر الوالدين وأن عقوقهما من كبائر الذنوب، وإنما ينقصنا العمل بما نعلم، ينقصنا شيء من المبادرة والاهتمام، وعدم الغفلة عن مواضع من شأنها أن تورد المرء موارد الهلاك في الدنيا والآخرة.
ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة ومحاولة مناقشة بعض أسبابها وفق منظور شرعي مرتكزه الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ارتأت جريدة السبيل فتح ملف في الموضوع.