الصحابي لغة مشتق من الصحبة، وهي المعاشرة، جاء في لسان العرب: صحبه يصحبه صُحبة بالضم وصحابة بالفتح، وصاحَبَه عاشَرَه.. والصاحب المُعاشر. (لسان العرب: مادة صحب، والقاموس المحيط).
وقال صاحب المصباح المنير: والأصل في هذا الإطلاق -أي إطلاق اسم الصحبة من حيث اللغة- لمن حصل له رؤية ومجالسة. ووراء ذلك شروط للأصوليين. ويطلق مجازاً على من تمذهب بمذهب من مذاهب الأئمة، فيقال: أصحاب الشافعي، وأصحاب أبي حنيفة، وكل شيءٍ لائمَ شيئاً فقد استصحبه.
أما تعريف الصحابة من حيث الاصطلاح فقد اختلف العلماء في حدّه على أقوال:
قال السيوطي في تدريب الراوي: (فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال ابن حجر في نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: (هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح).
غير أن “منهم من بالغ فكان لا يعد من الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية؛ كما جاء عن عاصم الأحول حيث قال: رأى عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن له صحبة، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن وأكثرها من رواية عاصم عنه، ومنها قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له. فهذا يوضح رأي عاصم في الصحابي بأنه من صحب الصحبة العرفية”. (فتح الباري 8/3).
وكذا روى عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد من الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً. (فتح الباري 8/3؛ تدريب الراوي: 11/2).
ومنهم من اشترط أن يكون حين اجتماعه به بالغاً، وهو مردود أيضاً لأنه يخرج أمثال الحسين بن علي ونحوه من أحداث الصحابة. وروي عن بعض أصحاب الأصول في تعريفهم للصحابي أنه من طالت مجالسته عن طريق التتبع. (تدريب الراوي: 210/2، الرياض المستطابة:12).
قال ابن حجر: والعمل على خلاف هذا القول وأنهم اتفقوا على عدّ جمع من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع.
ولعل أرجح التعاريف وأجمعها ما اختاره ابن حجر إذ قال: وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت؛ ومن روى عنه أو لم يرو عنه؛ ومن غزا معه أو لم يغز معه؛ ومن رآه ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى. (الإصابة في تمييز الصحابة؛ لابن حجر: 1/7).
وهذا الذي صححه ابن حجر نسَبَه كثير من العلماء إلى الإمام البخاري. وأثبت ابن حجر أن البخاري تابع فيه أيضا شيخه علي بن المديني؛ حيث قال: (وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرأت في المستخرج لأبي قاسم بن منده بسنده إلى أحمد بن يسار الحافظ المروزي قال: سمعت أحمد بن عتيك يقول: قال علي بن المديني: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي) (فتح الباري: 8/4).
هذا التعريف الذي ذكره ابن حجر هو أرجح التعاريف لما يلي:
أولاً: لأنه يتماشى مع المدلول اللغوي لكلمة الصحبة، ولا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إلا عند وجود مقتضى لذلك من نص أو مانع، لا وجود لشيء من ذلك كله.
ثانياً: لأنه قول جهابذة السنة وعلماء الأمة ممن لا يعدل قولهم قول غيرهم ممن خالفهم.
ثالثاً: لأن التوسع في إطلاق الصحبة يرى فيه العلماء وجهاً من وجوه الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديراً لمكانته حق قدرها.
قال ابن الصلاح: (بلغنا عن أبي المظفر السمعاني المروزي أنه قال: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة على كل من روى عنه حديثاً أو كلمة ويتوسعون حتى يعدوا من رآه رؤية من الصحابة، وهذا لشرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم أعطوا كل من رآه حكم الصحبة) (مقدمة ابن الصلاح: 146).
رابعاً: إن الأقوال الأخرى غير جامعة لكل من تشرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو مرة، لأنها اشترطت طول المجالسة أو الغزو معه أو الرواية عنه وهذه الأمور لم تتحقق لكثير ممن وصفوا بالصحبة، كالعميان والأحداث من الصحابة. (الصحابة ومكانتهم عند المسلمين محمود الدليمي).