ما الهدف وراء الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني؟ نبيل غزال

لا شك أن تجديد الخطاب الديني الذي دعا إليه الملك محمد السادس -حفظه الله- لا يروم تغيير مضامين النصوص الشرعية وذلك انطلاقا من كونه حاميا لحمى الوطن والدين، والمسؤول الأول عن الذبِّ عن حرمة العقيدة، إلا أن العلمانيين لا يتوانون في استغلال هذه الدعوة لتجديد مضمون الخطاب الديني، أي (تجديد) القيم والتصورات والمبادئ التي يحتويها هذا الخطاب لتتماشى مع مشاريعهم ومخططاتهم الرامية إلى علمنة المغرب والمغاربة.

تعالت مؤخرا صيحات عالية موتورة، صادرة عن ملأ من القوم، تتنادى فيما بينها بتجديد الخطاب الديني وإعادة قراءة النصوص الشرعية قراءة جديدة تتوافق وحاجيات العصر الذي نعيشه، لقد كان هدير الصياح عاليا يصم الآذان ويغلق العقل عن التروي والتفكير، فلا تكاد تجد واحدا منهم إلا وهو يردد ما يسمع، وإن كان لا يعقل ولا يفهم.
فالأمر بلا تعقيد أن أمريكا لها مصالح في أراضي المسلمين ومناطقهم، وأن شعوبهم -بوضعهم الحالي- تعد مَعَامِل تفريخ من يهددون أمن أمريكا، وعلى وجه التحديد فإن «المدارس الدينية في العالم الإسلامي تجند المتشددين الشبان» بحسب تعبير وزير الحرب الأمريكي الأسبق “دونالد رامسفيلد”، كما أن هذا الواقع يعرقل التعايش والتعاون بين هذه الشعوب وأصدقاء أمريكا وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم طبعا الكيان الصهيوني.

فما السبيل إلى التغيير المنشود؟
فبنظرة فاحصة وبترتيب للأوراق بالمنطق الأمريكي، وحسب رأي واضعي السياسة الخارجية الأمريكية نخلص إلى ما يلي:
– الإسلام بقيمه ومبادئه يمثل خطراً على أمريكا، وليس الأمر أمر (قوىً أصولية) يراد التخلص منها حسب النظرية الأمريكية القائلة بصدام الحضارات.
– تلك القيم والمبادئ هي التي تفرخ من تسميهم أمريكا بالمتطرفين، وتدفعهم للقيام بأعمال خطرة ضد أمريكا ومصالحها وأصدقائها وحلفائها.
– هؤلاء المتطرفون يتشربون هذه القيم والمبادئ الخطرة عبر منظومة معقدة من المفاهيم المبثوثة في مناهج التعليم والمواعظ الدينية، يغذيها أحيانًا إعلام غير مسؤول، إضافة إلى عادات اجتماعية متوارثة ترسخ هذا النمط من القيم والمبادئ والسلوكيات.
– هناك ثلاثة عوامل رئيسة تساهم في تشكيل العقلية العربية والإسلامية: الإعلام والتعليم و(الخطاب الديني)، والأول قد تم السيطرة عليه، والثاني طبع بسمة التغريب إلا ما نذر منه، والأخير هو أخطرها لما يحمله من احترام وتقديس لدى فئات كثيرة، ولكونه يصل إلى جميع الطبقات ويخاطب جميع المستويات.
– الخطاب الديني هو جزء من الهوية والتكوين الروحي والفكري والنفسي والاجتماعي لهذه الشعوب، والذي تشكل عبر سنين طويلة، فمن غير الممكن مصادمته وإسقاطه كلية بشكل فج ومباشر، خاصة إذا جاءت هذه المصادمة من غير أبنائه، وإنما يتطلب الأمر مشروعا متكاملا يطبق بأيدي نخبة من المسلمين وتحت توصية ومراقبة غربية، الشيء نفسه الذي تمَّ بُعَيْدَ الاستعمار على المستويين السياسي والثقافي، وذلك في أغلب البلدان الإسلامية حتى غدا من يدعو فيها إلى تطبيق الشريعة رجعيا وماضويا، ومن يدعو إلى سيادة العلمانية تقدميا ومتنورا.
ما يلاحظ على هذه الحملة
– اتساق هذه الدعوة مع خطة تجديد مناهج التعليم التي أملتها وأوعزت بها قوى خارجية معينة، مستغلة أحداثًا وظروفًا معروفة، فجاءت هذه الحملة استكمالاً لمخطط إعادة تشكيل العقلية المسلمة.
– إلتباس هذه الدعوة وعدم وضوح أهدافها، فعلى عادة العلمانيين والتغريبيين في الإيهام والغموض عندما يتعلق الأمر بخطوة يصعب على الناس هضمها، جاءت هذه الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، فكلمة (الخطاب) تحتمل أن يكون المقصود بها (مضمون) الخطاب ومحتواه، وتحتمل أن يكون المقصود بها (شكل) الخطاب بما يتضمنه هذا الشكل من أساليب ووسائل عرض المضمون .
ولا شك أن تجديد الخطاب الديني الذي دعا إليه صاحب الجلالة لا يروم تغيير مضامين النصوص الشرعية وذلك انطلاقا من كونه حاميا لحمى الوطن والدين، والمسؤول الأول عن الذبِّ عن حرمة العقيدة، إلا أن العلمانيين لا يتوانون في استغلال هذه الدعوة لتجديد مضمون الخطاب الديني، أي (تجديد) القيم والتصورات والمبادئ التي يحتويها هذا الخطاب لتتماشى مع مشاريعهم ومخططاتهم الرامية إلى علمنة المغرب والمغاربة.
إن الاستغلال البشع من طرف العلمانيين لغموض معنى (تجديد الخطاب الديني) يمكنهم في الواقع من هدم القيم والثوابت والتصورات الإسلامية، واستبدالها بمصطلحات مشوهة مفرغة من محتواها -إضافة إلى التعمية على مقصدهم الحقيقي-، هذا الإيهام والغموض في المصطلحات أسقط بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية من علماء أو دعاة في الفخ المنصوب، وذلك بالترويج لدعوة التجديد على النمط الغربي، ظنًا منهم أن المقصود هو تجديد الوسائل والأساليب، وهذا التورط أعطى غطاءً مناسبًا لأصحاب الدعوة الأصليين من متبجِّحي العلمانيين ومن شايعهم لينفثوا سمهم ويعضدوا شبههم.
من هذا المنطلق يجب أن نفهم مؤازرة وترحيب العلمانيين بدعوة تجديد الخطاب الديني، لتكون الذراع الداخلي للتحرك الخارجي، ومن هنا أيضا وجب تسليط الضوء على الجوانب الغامضة والمبهمة لهذه الدعوة لكشفها وبيان حقيقتها، مع العمل على ترسيخ منهج التلقي الصحيح عند كل مسلم، بحيث لا يقبل الكلام في مثل هذه المسائل إلا من أهل الديانة الموثوق بعلمهم، والمعروفين بغيرتهم وذبهم عن دين ربهم، وبذلك نكون أنشأنا دعامة قوية من دعامات إهدار أقوال أهل التجديد التحريفي للنصوص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *