يتأكد في حق الصائم اجتناب المخالفات الشرعية:
فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث».
وقال أيضا: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
وقول الزور: هو كل قول محرم كالكذب والغيبة والنميمة…
والعمل بالزور: هو كل عمل محرم كالغش وأخذ الرشوة والتبرج وإخراج الصلاة عن وقتها…
والجهل: هو الاعتداء على الآخرين بالسب والشتم وغيرهما.
قال العلامة ابن العربي رحمه الله: “مقتضى هذا الحديث أن من فَعَل ما ذُكِر لا يثاب على صومه”.
قلت: بل ذهب بعض العلماء إلى أن تعمد المعصية يُبطلُ الصومَ:
قال العلامة ابن حزم: “ويُبطل الصوم أيضا تعمدُ كل معصية -أي معصية كانت لا تُحاشِ شيئا- إذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه”.
والتحقيق أن المعاصي سبب لحرمان الصائم من أن يثاب على صومه؛ فيصح الصوم وتبرأ الذمة، لكن لا يؤجر كما بين ابن العربي.
قال الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “إذا صُمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك”.
فليس المقصود من الصيام مجرد ترك الأكل والشرب، ولكن المقصود تحقيق التقوى، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
والتقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية بامتثال الأوامر وترك المنهي عنه؛ فلنحذر جميعا -أخي الصائم أختي الصائمة- مما اعتاده كثير من الناس في هذا الشهر المبارك من المعاصي؛ كالكذب في البيع وغيره، وانتهاك أعراض المسلمين باغتيابهم والسعي بينهم بالنميمة، وأخذ الرشوة من أصحاب الحقوق، وتبرج النساء، والغضب لأتفه الأسباب، وما يترتب على ذلك الغضب من السب والضرب وأنواع الأذى..
وهاكم إخواني القراء، حديثا عظيما يرشدنا إلى أحسن الهدي في معاملة من آذانا بقول أو فعل، وفي أثناءه بشارة عظمى للصائم:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فانه لي وانا اجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فان سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم..».
ومما يتأكد التنبيه عليه أيضا؛ بيان خطأ بعض الناس الذين يتخذون هذا الشهر ظرفا لتكثيف الأنشطة الرياضية والانهماك في الألعاب المسلية! فيقضي آخر نهاره في لعب رياضة كرة القدم ويمضي جُلّ ليله في لعب الورق ومشاهدة الأفلام والمسلسلات..!!
وهذا شهر ينبغي للمسلم أن يكثر فيه من التعبد والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة طمعا في نيل رحمته سبحانه ورضوانه:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده».
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحضِروا المنبر، فلما ارتقى درجة قال: آمين، فلما ارتقى الثانية قال: آمين، فلما ارتقى الثالثة قال: آمين، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه. فقال: إن جبريل عرض لي فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين…». الحديث.
فالمسلم إذا أدرك رمضان ينبغي عليه أن يبذل جهده لنيل المغفرة وتحصيل رضوان الله، والسمو بروحه إلى علياء الطهارة والزكاة، وذلك إنما يكون بالاجتهاد في الطاعة والتعبد.