إقامة المخيم وما سبقته من مناوشات
بدأت مناوشات أحداث مخيم العيون -وما لحق ذلك من أحداث مؤسفة راح ضحيتها عدد من رجال الدرك والإطفاء والقوات المساعدة- منذ مدة بعيدة، وكانت هذه المناوشات تتم من خلال إقدام عدد من ساكنة العيون على إقامة وقفات احتجاجية، أو محاولة استنبات مخيمات احتجاجية، والتي كانت السلطة المغربية دائما تتوفق في منعها وتفكيكها..
وفي 19 أكتوبر المنصرم استطاع عدد من ساكنة العيون إقامة مخيم للاحتجاج على ما وصفوه بتدهور ظروفهم المعيشية وللمطالبة بوظائف ومساكن، وهو ما اعتبرته لجنة تكلفت بالتنسيق مع السلطات المغربية “عملية احتجاج اجتماعية” لا تحمل أي بعد سياسي.
لكن عدد المحتجين بالمخيم سيزداد بشكل مهول (توجه عدد كبير منهم بتوجيه الانفصاليين)، والذين استطاعوا إقامة مخيم يمتد على مساحة كبيرة، وهو ما سهل على الأجانب والمتطرفين والانفصاليين التسلل له، وتحويل المخيم من مخيم للمطالب الاجتماعية إلى مخيم ذي طابع سياسي..
وفي إسبانيا أصبحت مؤخرا قضية الصحراء المغربية موضوعا لهيجان وتحريض إعلامي ونضالي من جانب الصحافة ومحطات التلفزيون والجمعيات الاسبانية المتعددة. ففي كل شهر ومنذ سنة صار مطار العيون يستقبل فرقا من الصحافيين وسواحا حقيقيين أو مزورين ينحدرون من جزر الكناري لأجل تغطية “القضية الصحراوية”، ومنهم من استطاع بعد ذلك التسلل للمخيم الجديد..
دور العناصر المتطرفة في تغيير حقيقة المخيم
لا شك أن أي تحرك احتجاجي في المناطق الصحراوية وبأي هدف كان؛ سيستغل سياسيا من طرف أعداء الوحدة الترابية، بل إن عددا من المواجهات في هذه المناطق أضرم نارها المتطرفون أصحاب الفكر الانفصالي، الذين رضعوا لبن الحماسة الهوجاء من أعداء المغرب..
وقد تم استغلال وضع مخيم العيون بشكل كبير من طرف الانفصاليين، الذين سعوا إلى السيطرة على مجريات الأمور داخله، وتوجيه نتائج المفاوضات بين لجنة المخيم والسلطات المغربية، حتى أنهم رفضوا التوصل إلى حل سلمي..
لقد نفذت هذه العناصر المتطرفة إلى داخل المخيم وحاولت أن تتحكم في مجرياته، وذلك بسبب التخطيط المسبق للسيطرة عليه، وبسبب استعمال القوة والسلاح للتهديد والاعتداء على من أراد الانسحاب من المخيم، وقد كانت هذه العناصر تتحرك بين المدينة والمخيم بانتظام وبوسائل متطورة من المواصلات والتواصل، كاستعمال سيارات رباعية الدفع، وهو ما دفع إلى التساؤل: كيف يكون هؤلاء أصحاب مطالب اجتماعية؟
الأغيار ونشر الفتنة
أن يدعم أعداء الوحدة الترابية من الأجانب الفكر الانفصالي من خارج الوطن فهذا له دوافعه ومسوغاته التي تنبني ولا شك على الإغراض والعداء والجهل بالتاريخ والجغرافيا والواقع، ولكن أن تبلغ الجرأة عند أعداء وحدة المغرب (خصوصا الاسبانيين) إلى القدوم إلى المغرب وإقامة الوقفات الاحتجاجية بدافع الغيرة على حقوق عملاء الجزائر بالمخيمات والدفاع على حق إقامة الجمهورية الصحراوية الوهمية، فهذا لا يعني إلا ازدراء سيادة المغرب، وهو ما يلزم منه معاقبة هؤلاء المنتسبين للجمعيات الحقوقية والذين يصرون على غض الطرف عما يقع داخل مخيمات الذل والعار..
وقد شارك في أحداث الشغب التي اندلعت فيما بعد عدد كبير من الانفصاليين والجزائريين ومرتزقة من التشاد تم استقدامهم لإحداث الشغب، وقد ألقي القبض بعد اندلاع الأحداث على 3 جزائريين بينهم قائد متقاعد بالجيش وضابط لتورطهم، كما ذكرت بعض الصحف أن المخابرات الجزائرية أنفقت خمسة ملايير سنتيم للتحضير للأعمال التخريبية.
وكان المغرب سابقا قد رحل سياسيين إسبانيين لتورطهم في دعم الانفصاليين داخل العيون، كما ألقت السلطات القبض على صحافية وسط المخيم بعد تخفيها بلباس الصحراويات وهي تعمل على التحريض على الانفصال.
الانفصاليون يرفضون الحل السلمي والسلطات تقتحم المخيم
لقد أقنعت السلطات المغربية محتجي مخيم “أكديم إيزيك” بتسوية الأوضاع، لكن الأيادي الخفية من زمرة الانفصاليين أبت هذا الوضع؛ وعملت على استمرار الاعتصام في المخيم إلى غاية 8 نونبر؛ يوم اقتحام السلطات المغربية للمخيم قصد تخليصه من أيدي المجرمين الانفصاليين الذين أحكموا قبضتهم عليه، وعملوا بشكل ممنهج على حجب نتائج الحوار، وتحوير مضامينه، وتهديد المتواجدين بالمخيم لمنعهم من مغادرة المخيم.
اقتحمت السلطات المغربية المخيم من أجل الحفاظ على الأمن والنظام العامين، وضمان سلامة المواطنين، بعدما استنفدت كل محاولاتها لإرساء مقومات الحوار الجاد والمسؤول، وكانت ساعة واحدة كافية لإخلاء المخيم.
لم يسلم الاقتحام من ردات فعل الانفصاليين، لكن مباغتة السلطات المغربية وسرعة تحركها كانت كافية لاحتواء أي شغب.
بوليساريو العيون والعملاء الأجانب يشعلون أحداث الشغب
بعد إفراغ المخيم نقل الانفصاليون الشغب إلى شوارع مدينة العيون، وذلك بإضرام النار في عدة سيارات، ومنشئات عمومية وخاصة وإتلاف ما بها؛ بعد تهييج عدد كبير من المراهقين الذين أغلقوا الشوراع وأضرموا النيران في العجلات المطاطية، كما أقدم بعضهم على نزع العديد من الأعلام الوطنية والعبث بها.
ثم انتقل المخربون المحرضون من طرف الانفصاليين وبين صفوفهم بعض العملاء الأجانب من الجزائر وتشاد وإسبانيا وهم يخضعون إلى أوامر أسيادهم الذين يسروا تنقلهم من خلال استعمال السيارات ذات الدفع الرباعي، إلى مقر الدائرة الأمنية الثامنة والسادسة وقاموا بإحراقهما، كما قاموا باقتحام مقر الدائرة السابعة وبناية مقاطعة حي العودة بالإضافة إلى حرق ثلاث سيارات تابعة للأمن الوطني وشاحنة في ملكية بلدية المدينة، ووكالة تابعة لشركة اتصالات المغرب والعديد من المرافق العمومية، ولم يغفل الانفصاليون قناة العيون الجهوية، بل قاموا بإحراق مقرها، وخربوا مكاتبها وسيارات العاملين بها، واستبدلوا علم البوليساريو بعلم المغرب، ولم تسلم محكمة العيون من التخريب ولا مركز الاستثمار والمديرية الجهوية للطاقة والمعادن، ولا المديرية الجهوية للصيد البحري، وأكاديمية التربية والتكوين، بل طالت أيدي المخربين ممتلكات الناس، واستعملوا خلال ذلك السيوف والسواطير وقنينات الغاز والزجاجات الحارقة..
الضحايا هذه المرة هم رجال السلطة!!
بعد ذلك عمت الفوضى أرجاء المدينة واقترف المخربون أبشع صور التخريب، ولعل الصور المنقولة من مدينة العيون توضح بشاعة هذه الأحداث.
وهذا ما يدفعنا إلى أن نطرح السؤال التالي: هل المنتفضون في مدينة العيون هم أنفسهم من كان يطالب بمطالب اجتماعية؟ أم أعداء الوحدة الترابية، وأعداء ساكنة العيون الملتزمون بمغربيتهم؟
والجواب يظهر بجلاء عندما نعلم أن ضحايا هذه الأحداث لم يكونوا سوى رجال السلطة المغاربة (رجال الدرك والمطافئ والقوات المساعدة)، وأما المدني فهو ضحية الفوضى والتسيب الانفصالي.
نعم، إنه احتجاج من نوع متميز ضحاياه رجال أرادوا تحقيق الأمن، وإرجاع حالة السلم والطمأنينة لمدينتهم، رجال لهم حق استعمال السلاح لتفريق المخربين لكنهم لم يستعملوه، رجال منهم من رجم حتى مات وصار المجرمون يمشون بجانبه بكل خسة وغرور، ومنهم من حرق داخل سيارة الأمن بعد صبّ البنزين عليها، ومنهم من ذبح خلسة بسكين الغدر والحقد وحب الفوضى والتسيب..
نعم لقد قتل عشرة من رجال الأمن المغاربة وهم يساهمون في تهدئة الأوضاع، لكن خنجر الغدر الانفصالي اغتالهم، ليترك حزن فراقهم عند أحبائهم يكدر عليهم صفو الفرح بالعيد، وإن كان أهلهم سيحتسبونهم عند الله لأنهم ماتوا وهم على ثغر من ثغور الدفاع عن أمن ووحدة بلدهم العزيز..
لقد كانت قوات الأمن المتدخلة مكونة من الدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ولم تكن لديها أسلحة نارية، بل لم تكن تتوفر إلا على وسائل الدفاع عن النفس، لذلك تم اغتيال عشرة منهم بكيفية وحشية، تنم على تطرف المخربين وأن قصدهم هو إلحاق الأذى بالمغرب شعبا ونظاما..