“البوركيني” عرى قيم فرنسا العلمانية والحقوقية

لا يزال الجدل حول البوركيني يتصاعد في فرنسا؛ حيث أعلنت شخصيات يمينية أنها ستقدم مشروع قانون للبرلمان لحظر ارتدائه، بينما تحدت عدة بلديات قرار مجلس الدولة بإلغاء الحظر على ارتدائه.
وقالت شخصيات سياسية يمينية فرنسية إنها ستتقدم بمشروع قانون لمنع ارتداء زي البحر الذي يغطي الجسم بالكامل -والمعروف باسم البوركيني- على الصعيد الوطني، وإنها ستنقل الملف أمام البرلمان.
كما تحدت عدة بلديات فرنسية قرار مجلس الدولة، وهو أعلى هيئة قضائية إدارية في البلاد، بإلغاء الحظر على ارتداء البوركيني، بينما أعلن مقربون من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن النية تتجه نحو التقدم بمشروع قانون يمنع ارتداء البوركيني.
وكان مجلس الدولة استند في إعلانه إلى أن حظر ارتداء البوركيني ينتهك -دون مبرر- الحرية العامة. لكن عددا من رؤساء البلديات في جنوب شرق فرنسا قرروا الإبقاء على قرارهم منع ارتداء البوركيني، مما دفع جماعات حقوقية إلى تحذير مسؤولي هذه البلديات من عواقب تجاهل قرار المحكمة الإدارية العليا، مهددة برفع دعاوى قضائية.
وأصدر المجلس قراره عقب طلب من رابطة حقوق الإنسان الفرنسية بإبطال حظر البوركيني في بلدة “فيلانوف لوبيه” المطلة على البحر المتوسط.
وقد تناولت حلقة “ما وراء الخبر” التي تبثه قناة الجزيرة القطرية تداعيات منع البوركيني في فرنسا وتساءلت: هل يعد ذلك تراجعا عن القيم الديمقراطية؟ وكيف أضرت هذه القضية بقيم فرنسا الديمقراطية والعلمانية والحقوقية؟
وقد استضافت الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي “بيير بيرتيلو” الذي أكد أنه لا يوجد وعي بأن هذه القضية أضرت بسمعة فرنسا كبلد للحريات والقانون، لأن هناك حالة عاطفية وليست عقلانية حول قضية البوركيني التي بدأت في مدينة “نيس”، حيث كان هناك رد فعل على الهجوم الإرهابي الذي جرى في “نيس”، بالاعتداء على نساء كن يرتدين البوركيني.
وكما أضاف أن رئيس الوزراء “مانويل فالس” أصيب بخيبة أمل من حكم مجلس الدولة، وتعرض لانتقادات من عدد من وزراء حكومته بسبب موقفه من الأزمة، أما الرئيس الفرنسي السابق “نيكولا ساركوزي” فقد استغل تلك الواقعة للإعلان عن ترشحه للرئاسة، وهو ما يورد سؤالا عن استغلال قيم العلمانية لأغراض سياسية.
وأشار إلى أن كندا والمملكة المتحدة سمحت لشرطيات بارتداء الحجاب، وهذا لا يعني أنه لا توجد علمانية في تلك الدول، ولكن هناك فهم مختلف للعلمانية، “ففي فرنسا فهم متشدد بعض الشيء في هذا السياق”.
كما استضاف البرنامج الباحث في قضايا العالم العربي والإسلامي صلاح القادري الذي قال: إن القضية بأساسها سياسية، تخضع لمصالح سياسية، سواء لحزب اليسار الحاكم أو الأحزاب اليمينية الموجودة في المعارضة، ومجلس الدولة حين علق هذه المراسيم البلدية الصادرة عن خمس بلديات فقط من أصل 37 قال إن القضية ليس لها مستند قانوني وتتعارض مع الدستور الفرنسي، ومبدأ العلمانية بعدم التدخل في الحريات الشخصية.
بدورها قالت الناشطة في مجال العمل النسائي في بريطانيا وأوروبا رغد التكريتي إن “العالم كله شاهد صورة المرأة المسلمة التي أحاط بها رجال شرطة مدججون بالسلاح، وأجبروها على خلع ملابسها، والحقيقة أن هذه الحادثة تضع فرنسا وقيمها الحضارية التي تتشدق بها على المحك، ولا سيما عندما يتعلق الأمر باختراق حقوق الفرد في اختيار اللباس وممارسة الدين”.
وحذرت من تصاعد عدد من الحركات التي تستهدف المرأة المسلمة في عدة دول أوروبية، من خلال الربط بينها وبين الحركات الإرهابية، معتبرة أن “المقلق في هذه الحادثة ليس ما قامت به الشرطة، ولكن رد فعل الناس في المكان الذين شجعوا الشرطة وهاجموا المرأة وقالوا لها أخرجي من فرنسا”.
وأضافت أن الحكومات الغربية تطالب المسلمين منذ سنوات بالاندماج مع المجتمعات الغربية، والمؤسسات الإسلامية عملت على تشجيع المسلمين للاندماج في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمهنية والتعليمية وإظهار نماذج مسلمة مميزة، والمرأة المسلمة التي تعرضت لاعتداء الشرطة الفرنسية كانت تمارس صورة من صور الاندماج، فقد كانت تستمتع بالشاطئ كغيرها من المواطنين الفرنسيين، وبدلا من الإشادة بها أصبح ما تقوم به جريمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *