رؤية غربية نقدية لما يحدث في الديار العربية

المواقف الغربية حيال ما حدث في كل من تونس ومصر لم يكن على نسق واحد؛ فقد تباينت المواقف إلى حد كبير بين الخطاب الغربي الرسمي وغير الرسمي؛ حيث أفاد استطلاع أجراه معهد جالوب أن 82% من الأميركيين يتعاطفون مع المتظاهرين المصريين؛ وأشار الباحثان سكوت كاربنتر وديفيد سشنكر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن لدى الغرب الآن شعور متنام بعدم قابلية معظم الأنظمة العربية للاستمرار، فقد أشارت هيلاري كلينتون في منتدى الدوحة إلى أن هنالك ثلاث عوامل ضعف يعانى منها العالم العربي وهى: البطالة (والتي وصلت إلى 20% في المتوسط على حد قولها) والفساد (والذي وصفته بالسرطان) والجمود  متمثلاً في احتكار السلطة وعدم السماح بالمشاركة السياسية.
صدور مثل هذه التصريحات قوية اللهجة عن مسؤولة رفيعة المستوى في الإدارة الأمريكية يعكس تحولا قويا في البوصلة السياسية الأمريكية، وتفهم عميق للمرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة.
وإذا رجعنا إلى المراسلات الدبلوماسية الأمريكية التي كشفها موقع ويكيليكس -يشير الباحثان- سنجد أنها ذهبت في الاتجاه نفسه حين ذكرت السفارة الأمريكية في تونس أن نظام زين العابدين بن علي أصابته “الشيخوخة والتصلب” خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها  الشعب ومع انتشار “القمع واستفحال الفساد الحكومي وداخل العائلة الحاكمة”.
لذلك فإن ما حدث في تونس يرسل رسالة قوية إلى إدارة أوباما مفادها أن “المقايضة بالاستقرار بديلاً عن الإصلاح السياسي الحقيقي، لم يعد مفيداً، فما يمكن تصوره كاستقرار قد يتلاشى في لحظات”، وبناء على ذلك فإن الاستمرار في دعم الأنظمة العربية الحالية يشكل “خطرا طويل المدى على مصالح الغرب”، لذلك نجد أن الغرب يوجه انتقادات قاسية للحكومات العربية ويحاول أن ينأى بنفسه عن ممارسات الحكومات العربية.
وبالتوازي مع ذلك انتقد الأستاذ الجامعي الألماني ماركو شولر دعم الغرب النظام الحاكم في تونس فترة طويلة لمصالحه الخاصة، واتهم الدول الغربية بغض الطرف عن ما يجري على الجانب الآخر من البحر المتوسط طالما تؤدي حكومات ذلك الجانب أعمالا لا يمكن للدول الغربية القيام بها.
وكتب ماركو شولر الأستاذ بجامعة مونستر -غربي ألمانيا- أن الدول الغربية يناسبها بشكل جيد أن تكافح الدول العربية المطلة على البحر المتوسط إرهابيين إسلاميين وهميين أو حقيقيين بوسائل لا يمكن استخدامها على المستوى السياسي في أوروبا.
وأضاف أن هذا الأمر ينطبق أيضا على سياسة اللجوء في أوروبا، وأن تونس ومصر تحظيان بالقبول بشكل تقليدي في أوروبا، حيث تستطيع الشركات الأوروبية الاستثمار هناك، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن السياحة في الدول العربية المطلة على البحر المتوسط تمثل صفقة كبيرة بالنسبة للشركات السياحية في أوروبا.
وخص تونس بقوله إن التقارير الداخلية في هذه الدولة الصغيرة لم تكن لها قيمة طالما أنه يمكن نقل السياح من المطار إلى فنادقهم أو منتجعاتهم السياحية المحاطة بسياج بدون إزعاج، وكلما كان من الممكن تمويل تلك الرحلة بأسعار زهيدة كلما كان أفضل.
بيد أن الوضع تغير الآن، حيث “تحترق منازل وتغلق شوارع في الحمامات وسوسة والمهدية الشهيرة بقوائمها السياحية وعروض اللحظة الأخيرة”.
وختم الكاتب بأن الدول العربية السابق ذكرها تعيش اقتصاديا منذ سنوات طويلة منحنى هابطا، يجعل عددا قليلا من الناس أكثر غنى وقطاعا كبيرا من الشعب أكثر فقرا وبدون أمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *