تجعل الجغرافيا السياسية الإيرانية طهران في مركز حدث الثورات العربية، لكنها في الوقت نفسه تواجه ما تواجهه دول أخرى مثل تركيا، حيث حالة الانتظار والترقب، فحدث الثورات يبدو متدحرجا وربما يكون من الصحيح مقارنته بانهيار جدار برلين في العام 1989، حيث توالت الأحداث على أوروبا الشرقية ومن ثم العالم، حيث انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
فإذا اعتبرنا الثورة التونسية كنقطة بداية: هي انهيار حائط برلين، فليس المعروف بعد ماذا سيكون الحدث الذي سيوازي انهيار الاتحاد السوفياتي.
إن التغيير الذي خلقته الثورات في المنطقة بغض النظر عن عدم نجاحها بشكل كامل في بعض الدول، قد خلق حقائق جديدة على الأرض، هذه الحقائق تدفع باتجاه تغيير لم يكن متوقعا من حيث التوقيت، لكن هذا التغيير لن يكون بالسرعة التي ربما يتوقعها البعض.
فالثورات التي بدأت بهوية محلية ومطالبات عنوانها الأساسي الكرامة والحقوق، ستخلق رؤية جديدة حول كيفية تعامل الدول العربية مع الآخر، سواء كان في المنطقة كإيران وتركيا وإسرائيل أو خارج المنطقة كالولايات المتحدة وأوروبا، فمعيار الكرامة الذي تتحدث عنه الثورات سيمتد إلى حقل العلاقات الخارجية، هذا في حال إن استطاعت الثورات أن تتجاوز عثرات الثورات المضادة والتحديات الاقتصادية.
وعليه فإن إيران ستتأثر بمثل هذه التغييرات، ولعل أهم تغير أن مفهوم التفوق الذي كانت تستشعره إيران بأنها الأمة الثائرة والأنشط سياسيا في المحيط الإسلامي قد انتهى بشكل كامل، فقد حلت تركيا بنموذجها الأكثر ديناميكية وإنجازا في الميادين الاقتصادية والسياسية، وربما تمهد الثورات العربية إلى نوع من الحكومات أكثر “ديمقراطية” وتمتعا بالحريات التي تصبح في منافسة مع تركيا في موضوع تقديم نماذج أخرى في المنطقة.
إن نوع السلوك الإيراني ستحدده بشكل كبير طبيعة القيادات القادمة في دول ما بعد الثورات وتحالفاتها السياسية -وهذا الأمر سيكون متصلا بمستقبل علاقة تلك القيادات السياسية مع الولايات المتحدة بشكل محدد- وكذلك مستقبل المشهد السياسي الإيراني، هل ستتحرك إيران نحو نموذج إصلاحي شبيه أو أقرب إلى ذلك الذي حكم إيران بين 1997-2005، أم ستبقى في قبضة القوى المحافظة وتحالفها بين رجال الدين والمؤسسة العسكرية والأمنية.
من المؤكد حتى الآن أن إيران ستكون حذرة في تعاملاتها مع دولة كمصر، وستحاول أن تقدم أقصى الإشارات الإيجابية لكسر الجمود السياسي في العلاقة بين البلدين، لكن في المقابل من المستبعد أن يحدث تغيير في موقف السياسة الخارجية الإيرانية في ما يتعلق بالبحرين، وهو الأمر الذي سيبقي حالة التوتر الإقليمية ماثلة من الموقف الإيراني.
من الجدير التأكيد على أن مسار الأحداث في سوريا والنتيجة التي ستؤول إليها الأحداث ستلقي بظلالها على ما يسمى بقوى الممانعة الذي تشكل سوريا محطة الارتباط الأساسية فيها، وما إذا كانت حركات المقاومة قادرة على البقاء والاستمرار في مسارها وتجاوز الانعكاسات السلبية للثورات العربية عليها.
إن التغيرات التي ربما تحدث في سياسة إيران الخارجية نحو دول ما بعد الثورات العربية ستتأثر بمواقف تلك الدول العربية من تطورات قادمة بشأن الملف النووي الإيراني، لا سيما تفعيل قرارات العقوبات والمساهمة أكثر في السياسة المسماة “عزل إيران”.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات