هل المقاصد بهذا الشكل العبثي الذي يطرحه الخطاب العلماني؟
هل هي مرنة بغير حدود وبغير ضوابط؟
وما هي المعايير التي تحدد المقاصد؟ وكيف يمكن الوصول إليها؟
وما المرجعية في ذلك؟
إن الفارق الأساسي بين العلماء المسلمين وأقطاب الخطاب العلماني في البحث عن المقاصد أن الأولين يبحثون عن مقاصد الشارع سبحانه وتعالى ومراده من النص، أما الآخرون فيبحثون -فيما يبدو- عن مقاصد أنفسهم، ومرادات عقولهم، ومطالب أيديولوجياتهم، هذا فارق أساسي له صلة بالتأويل.
إن المقاصد ليست كلمة تقال أو شعاراً يرفع وإنما هي مبدأ أصولي له ضوابطه ومعاييره التي تحكمه حتى لا تصبح ذريعة يُتوسَّل بها إلى “تورخة النص” 1 وإلغائه وتمييعه، فإن تحديد مقاصد الشارع لا ينبني على ظنون وتخمينات غير مطردة2 . إن الشاطبي الذي اعتبره العلمانيون مؤسس علم المقاصد وأشادوا به هو نفسه الذي يحدد هذه الضوابط فهل يلتزم العلمانيون بذلك؟
ومن أبرز هذه الضوابط أن:
1 – الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، والأصل في أحكام العادات الالتفات إلى المعاني3 .
2 – المقاصد العامة للتعبد هي: الانقياد لأوامر الله عز وجل وإفراده بالخضوع والتعظيم لجلاله والتوجه إليه 4.
3 – المقصد الشرعي من وضع الشريعة هو: إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد الله اضطراراً.5
4 – وُضعت الشريعة على أن تكون أهواء العباد تابعة لمقصود الشارع فيها، وقد وسع الله على العباد في شهواتهم وتنعماتهم بما يكفيهم ولا يُفضي إلى مفسدة ولا إلى مشقة 6.
5 – مشقة مخالفة الهوى ليست من المشاق المعتبرة ولا رخصة فيها ألبتة 7.
6 – 8العزيمة أصل والرخصة استثناء، ولهذا فالعزيمة مقصودة للشارع قصداً أصلياً، أما الرخصة فمقصودة قصداً تبعياً .
7- لم يقصد الشارع إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه 9 ولا نزاع في أن الشارع كلف بما يلزم فيه كلفة ومشقة ما، ولكنه لا يقصد نفس المشقة، بل يقصد ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف10 .
8 – إذا كانت المشقة خارجة عن المعتاد بحيث يحصل للمكلف فساد ديني أو دنيوي فمقصود الشارع فيها الرفع على الجملة 11.
9 – من سلك إلى مصلحة غير طريقها المشروع فهو ساع في ضد تلك المصلحة12.
تلك بعض القوانين والقواعد التي تضبط المقاصد.
——————-
(1) مشتقة من التوريخ وهو لفظ رديف لكلمة تأريخ فيقال تأريخ وتوريخ راجع لابن منظور لسان العرب مادة أرَّخ و ورَّخ . وكذلك في القاموس المحيط .
(2) الموافقات 1/80 و د.الريسوني نظرية المقاصد ص:277 .
(3) الموافقات 2/585 والاعتصام 2 / 135 ونظرية المقاصد ” ص 275 .
(4) انظر : الموافقات 2 / 586 .
(5) انظر : الموافقات 2 / 469 و 455 .
(6) الموافقات 1/299
(7) الموافقات 1/300
(8) الموافقات 1/266-268
(9) الموافقات 2/427 .
(10) الموافقات 2/429
(11) الموافقات 2/457
(12) الموافقات 1/310