السياسة جزء من الدين غير خارجة عنه؟

لازال السجال محتدما بين الإسلاميين والعلمانيين بخصوص تداخل الدين والسياسة؛ فالعلمانيون يصرون على نفي هاته العلاقة؛ وعلى اعتبار الدين أمرا شخصيا؛ وسلوكا فرديا؛ لا دخل له في تأطير الحياة العامة؛ في حين يؤكد أصحاب المرجعية الإسلامية على ضرورة الدخول في الدين كافة؛ وعلى أن السياسة جزء لا يتجزأ من الدين؛ لم تنفك عنه منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إلى أن سقطت الخلافة العثمانية على يد الماسوني مصطفى كمال أتاتورك.
فمن خلال المواكبة لمجريات الأحداث الوطنية يتأكد لكل متابع أن ما يكرره ويقرره المحتكرون للمجال السياسي والإعلامي والثقافي.. حول موضوع تداخل الديني والسياسي؛ أن الدين لا علاقة له بالسياسة؛ وأن السياسة أمر دنيوي متجدد ومتطور؛ لا صلة له بالأخلاق أو شيء آخر؛ وهي باختصار عندهم: (فن الممكن)!!
وهو طرح علماني يجعلونه مسلمة لا تقبل النقاش؛ علما أنها فكرة مخالفة تماما لنصوص الشريعة التي حكمت أكثر من ثلاثة عشر قرنا؛ فلم يكن يعرف قط؛ وفي العالم الإسلامي برمته من شرقه إلى غربه؛ فصل بين الديني والسياسي؛ والقرآن الكريم والسنة المشرفة وكتب الفقه والسياسة الشرعية والنوازل والتاريخ شاهدة على ذلك.
ولئن كانت المرجعية العلمانية ترى أن لا دين في السياسة فهذا شأنها؛ وعليها أن تعلن صراحة عن أي دين تتحدث وأي دين تقصد، لأن الإسلام كعقيدة وشريعة يقر غير هذا الكلام؛ وينص بما لا مجال فيه للشك أن السياسة من الدين، بل إن القيام على أمور الناس بما يصلحهم من أعظم القربات وأجل الطاعات.
فالفصل بين الديني والسياسي وجعل برزخ بينهما ما هي إلا شبهة خرجت من مشكاة دعاة العلمانية؛ سوقتها أجهزتها وقنواتها الإعلامية وجعلت منها حقيقة لا تقبل النقاش؛ إلى درجة أن أصبحت مسلمة لدى العديد من أرباب السياسة الذين لم يتربوا في ظل ثقافة إسلامية صحيحة؛ أو يعلمون هاته الحقيقة ويصرون على المكابرة والإنكار.
نعم؛ نحن مع (إدخال الدين في السياسة) لا لتبرير سياسة النفاق والكذب والخداع؛ ولكن لأننا نؤمن أولا أن السياسة جزء لا يتجزأ من نظام التشريع الإسلامي؛ وثانيا لتطهير السياسة من دنسها؛ وإخراج العبد من اتباع هواه إلى طاعة مولاه في جميع مناحي الحياة؛ ومنها السياسة.
فلا يقبل على الإطلاق استغلال الدين (المقدس) في السياسة (المدنسة) القائمة على قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة)، لكن السياسة القائمة على أصول وقواعد الشريعة ركن أصيل من الشرع؛ والأدلة والنصوص في ذلك تترى لا يتسع الحيز لسردها.
يجب أن نكون على يقين تام؛ أن الإسلام ينظم حياة الإنسان قبل خروجه من بطن أمه إلى أن يتوفاه الله تعالى؛ وينظم جميع مناحي حياته الفردية والجماعية؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..؛ ولم يعد مقبولا بتاتا من بعض المثقفين والسياسيين أن ينكروا هذه الحقيقة ويكابروا في جحدها.
(ن.غ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *