جمع أحمد عصيد وسعيد لكحل وصلاح الوديع، (وكلهم معروفون بعلمانيتهم المتطرفة) ستين ممثلا ومخرجا وبعض المدونين والنشطاء، وأطلقوا على هذا الجمع اسم “مثقفين”. فأصدروا بيانا صاغوه بلغة موليير ليخاطبوا به الشعب المغربي المسلم العربي الأمازيغي، ويعطوه الدروس من أبراجهم العاجية، كان عنوان البيان: “لاتصوتوا على ابن تيمية، صوتوا للديمقراطية”.
فأي ديمقراطية يدعو لها هؤلاء المنصبين أنفسهم حماتها وممثليها؟
الجواب في جملة من ذلك البيان المضحك، “الديمقراطية لا تنحصر في كونها آلية لاختيار المنتخبين”. ماهي إذن أيها المثقفون المزورون؟ إنها الحداثة والعلمانية، إنها اعتناق عقيدة أخرى وقيم أخرى، إنها دعوة للمغاربة من أجل الانسلاخ عن هويتهم ومرجعيتهم، واعتناق القيم الغربية.
لا يتحدث القوم عن العلوم الغربية، أو التكنولوجية الغربية، يتحدثون عن القيم والثقافة والهوية الغربية، طبعا هم يسمونها كونية، وليست حتى عالمية. قيم كونية ساهم في وضعها شعوب الكرة الأرضية، البيض والسود والصفر، وشعوب كواكب مجموعتنا الشمسية وباقي المجموعات والمجرات، نعم إنها كونية تتجاوز الأديان المتخلفة، هكذا يحاول هؤلاء إيهام السذج من أبناء الشعب.
سبق هذا البيان، حركات تسخينية هنا وهناك، تصب في نفس الغاية، مسيرة ضد أسلمة المجتمع المغربي، دعوات تحريضية ضد مظاهر التدين لدى المغاربة، كلمات مستفزة هنا وهناك في التجمعات السياسية، لبعض الأحزاب التي يجمعها هدف كره قيم هذا الشعب وهويته وتدينه، رغم خلافاتها السياسية، حزب الأصالة والمعاصرة، حزب الاتحاد الاشتراكي، فدرالية اليسار، كل هؤلاء وضعوا أنفسهم في مواجهة التدين لدى المغاربة، واستعانوا بقواميس الحداثة والعلمانية والتقدمية والقيم الكونية، لتوظيف مصطلحاتها في خطاباتهم الإقصائية، في استهداف خطير لدين المغاربة ولغتهم العربية.
كان القوم يتحدثون كأنهم المتحدث الرسمي باسم هذا الشعب، أو كأنهم ممثلوه الناطقون باسمه، أو كأنهم الأوصياء على قناعاته واختياراته، كانوا مطمئنين جدا، وخاضوا المنافسة الانتخابية فقط كإجراء شكلي، ظانين أن الشعب انسلخ عن هويته فعلا، وفوضهم للحديث بلسانه، رغم أن مؤشرات عدة كانت تظهر عكس ذلك تماما، ولعل مسيرة الدار البيضاء ضد أسلمة المجتمع، كانت رسالة واضحة.
بعد إعلان النتائج، كانت صدمة هذه الشرذمة قوية، تدهور وتقهقر واندحار لهذا الفكر الدخيل، وعوض مراجعة مواقفها واختياراتها وقناعاتها، فضلت الهروب إلى الأمام، موزعة الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال، حتى أن الشعب ناله نصيب من السب والقذف والشتم.
الديمقراطية عند هؤلاء الغزاة لقيمنا وثقافتنا وهويتنا، ليست مجرد آلية كما أسلفت، إنها عقيدة يجب عليك أن تعتقدها كاملة جملة وتفصيلا، حتى أن صحفيا اختار أن يطل من موقعه ليعطي الدروس في السياسة والأخلاق والقانون، استتاب حماد القباج، المرشح السلفي الذي منع من الترشح، نعم استتابه وطلب منه أن يقدم توبته مكتوبة، وأن يصدح بمواقفه من قضايا هي محل خلاف ونزاع بين المسلمين وغيرهم من الشعوب، هي محل خلاف بين الإسلاميين والعلمانيين، طلب منه أن يعتنق الديمقراطية كقيم وعقيدة بنسبة مائة في المائة.
إنه الإكراه الذي لا يوجد حتى في الدين المنزل من رب العالمين، الذي قال “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وقال: “لا إكراه في الدين”. إكراه على اعتناق دين الديمقراطية حتى في قواعده وأحكامه وتشريعاته المخالفة والمصادمة لدين الإسلام، إكراه وابتزاز يمارسه دعاة القيم الكونية، على أبناء هذا الشعب المسلم، من أجل اعتناق الدين الجديد. كي ينعموا بالمشاركة السياسية ويجنوا ثمارها.
لقد كان مثيرا للاستغراب ذلك التجييش والشحن الذي سبق الانتخابات، وذلك الاصطفاف وتلك التصريحات المحمومة، التي حولت النقاش باتجاه الهوية والقيم، عوض أن يكون عن الإنجازات والبرامج الانتخابية، تجييش لا ندري هل كان ذاتيا، أم كانت وراءه أياد خفية تحركه بقصد إثارة الفوضى في هذا البلد الآمن، وتحويله إلى خراب.
وبقدر غرابة الأمر، بقدر غباءه وسخفه. كيف تسمح شرذمة قليلة لنفسها، أن تضع نفسها في مواجهة قيم وهوية شعب عريق، كيف تدخل غمار منافسة أريد لها أن تكون بين فسطاط يستهدف الهوية والقيم، وفسطاط يدافع عنها، أي غباء وسخف لمن خطط لإخراج التنافس بهذا الشكل.
فهل وعى المثقفون “إياهم”، وسدنة دين القيم الكونية، الدرس جيدا. حصيلة هزيلة ومضحكة، ثلثا المغاربة صموا آذانهم عن دعوات أنبياء الدين الجديد، وقاطعوا الانتخابات غير آبهين بالدعوة للتصويت لديمقراطية على المقاس بتعريفات وتأويلات خاصة، تجعلها بمقابل هوية ودين وعقيدة المغاربة، وثلث المصوتين منحوا أصواتهم لمن اعتقدوا أنه يحمي هويتهم وقيمهم.
هكذا أردتم للتنافس أن يكون، تصويت على ابن تيمية، أو تصويت للعلمانية، فاختار المغاربة التصويت لابن تيمية، ولو ركبتم دماغكم ثانية وكررتم أخطاءكم الصبيانية، وخيرتم المغاربة بين التصويت للعلمانية أو التصويت لداعش، لاختاروا التصويت لداعش، نكاية في علمانيتكم الإقصائية، وقيمكم الكونية المصادمة للهوية، فعوا الدرس جيدا ولا تلعبوا بالنار.