إن ارتباط الصحراء بالدولة المغربية هو ارتباط وثيق، والذي زاده وثاقة ورسوخا عدة عوامل منها: عامل الدين والعقيدة واللغة.
ويضاف إلى هذه العوامل عامل أساس زاد في إحكام هذه الروابط بين ملوك الدولة العلوية خصوصا، وقبائل الصحراء المغربية، يتمثل في عامل البيعة الشرعية.
والبيعة هي عقد يلتزم فيه طرفاه بما التزما به، فطرف يلتزم بتقديم الطاعة والولاء والامتثال في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر.
وطرف يلتزم بالعمل على تطبيق شريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وسنعرض بعض البيعات المقدمة من القبائل الصحراوية لبعض الملوك العلويين، ثم نورد بعض الظهائر أو الرسائل التي ولي بها بعض قوادهم للإسهام في سير الحياة، والعمل على إرسائها على الشكل المرغوب فيه.
بيعات القبائل الصحراوية لملوك الدولة العلوية
1- بيعة قبائل أهل الساحل والقبلة، ودليم وبربوش والمغافرة ووادي مطلع وجرار وغيرهم من قبائل معقل، للمولى إسماعيل العلوي وكان ذلك سنة 1089 هـ عندما غزا صحراء السوس، فبلغ أقا، وطاطا، وتيشيت، وشنجيط، وتخوم السودان، آنذاك وتزوج المولى إسماعيل الحرة خناثة بنت الشيخ بكار المغافري. انظر الاستقصا 6/82
2- بيعة السلطان عبد الرحمن بن هشام بمبادرة أحد الشيوخ الأعلام من صحراء شنجيط ابن طوير الجنة الطالب أحمد المصطفى الشنجيطي التشيني توفي في 1266هـ/1850م، وهو مؤلف رحلة حجازية باسم (رحلة المنى والمنة) فيتحدث فيها عام 1254هـ عن زيارته للسلطان مولاي عبد الرحمن في القصر السلطاني بمراكش، ويذكر عنه: “ولم يبق شيء من أخبار أرضنا وبلادنا إلا وسألني عنه” ثم قال: “وقلت له: يا سيدي، أخبرني شيخي -قدس الله روحه ونور ضريحه- أنه في الحديث: “من مات ولم يدخل تحت بيعة سلطان مات ميتة جاهلية”، والآن أمدد لي يدك أبايعك -فمد يده نصره الله- فقلت له: أبايعك على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
3- بيعة لمولاي عبد الرحمن أيضا للشيخ البكاي بن محمد بن المختار الكنتي توفي في 1282هـ/1869م.
وجاءت صيغتها عند مطالع رسالة بعث بها البكاي إلى تلامذته بفاس ومكناس ومراكش، فيعلن فيها ببيعته للسلطان أبي زيد بن هشام، ويشرح لمخاطبيه مزايا إمامته ويحثهم على طاعته.
وقد ورد في الفقرتين الآخرتين من هذه الرسالة: “فعصمنا الله بولايتهم، ونجانا ببيعتهم، أن نكون تحت ولاية العجم وبيعتهم، فإنه قل من بقي من العرب ليس في بيعة العجم، فضاع عزهم، وفسد دينهم، وطاحت دنياهم، إلا من كان منهم بالمغرب في بيعة أهل البيت: هؤلاء الشرفاء الإسماعليين منذ مد الله تعالى في مددهم ومددهم، وبارك في عددهم وعددهم، فاشكروا فيهم نعمة الله بهم، يزدنا ويزدكم من فضله، ولا تكفروها، فيتعدى إلينا ضرر كفركم، ويصل إلينا شرر عدم شكركم.
وقد علمتم، فإن لم تعلموا فاعلموا، أن صاحب هذه البيعة الشرعية والخلافة النبوية هو إمامنا وإمامكم الذي بين أظهركم: سيدنا ومولانا عبد الرحمن بن هشام نصره الله بجنوده التي لا ترى، وأيده بالجنود التي معه في القرى، فمن تمسك ببيعته تمسك بالبيعة النبوية الموروثة المشروعة، ومن أوفى بها وفى بالعهود الإلهية المفروضة المتبوعة، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، ويحفر بظلفه عن نفسه.
4- بيعة للسلطان محمد الرابع من إمام تندوف الشيخ محمد المختار بن الأعمش الجكني، وفيها يعلن عن بيعة الإقليم للسلطان العلوي محمد الرابع فيقول: “الحمد لله الذي أولانا نبيه الكريم، ورسوله الرؤوف الرحيم، محمدا الذي جلا به الفكر البهيم، وصلى الله على سيدنا محمد أتانا بالفضل العميم، وعلى آله وأصحابه الراغبين في إذهاب السيئات، واقتفاء الحسنات.
هذا، وإنه من كاتبه بالسلام الجامع للأدب، الموفي بغاية الأرب، إلى خليفتنا وأميرنا سيدي محمد السلطان ابن السلطان مولانا عبد الرحمن، والإعلام لك بعد حمد الله الذي لا إله إلا هو، والوصية لنفسي ولك بتقوى الله العظيم واقتفاء آثار نبيه الكريم.
إنا متطفلون على موائد الحق، بالطلب لك بنفع المؤمنين من الخلق، بدوام النصر، وتتابع الظفر، نصرا كنصر الخلفاء، يقوم به بأمرك الكفاة الأتقياء، الناصرون لدين الله ودينك حتى ييأس منه العداة الأشقياء.
عاملون بما قضى به الأئمة ومضى عليه الخلفاء، ومتمسكون بالعلم بخشية الله و”إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء”، ومسخرون لك وأنت كذلك للمسلمين وهم المجاهدون الأدلاء، أعاننا الله وإياهم على الجهاد الأصغر، وحفظهم منة الجهاد الأكبر، ألا إنها نعمة عظيمة جلت، ومنة لو بذلت المهج مكافأة عليها لصغرت بإزائها وقلت.
فبشرى بسببك على لو اليد، وسعادة اليوم والغد، والبلوغ بالسعي الأدنى إلى الأمر الأبعد، ويا فوز مناهم، وطيب غرسهم وجنابهم، حيث تبادروا نحوه، ووردوا من خير الدنيا والدين معينه وصفوه، فازدحموا عليه والمسار قد استخفهم، والسعود قد كالت بصاعها ووفتهم، وقد بايعناك على السمع والطاعة، ولزوم السنة والجماعة، والتمسك بالدعوة ببقائها إلى قيام الساعة، في الرضى والسخط، والمكره والمنشط، والعسر واليسر، والقل والكثر، والشدة والرخاء، والسراء والضراء، وعلى ما بويع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون والعهد قريب، والمهدي الإمام رضي الله عنه والدين في زمنه غريب.
وما ثبطنا عن القدوم إليكم، إلا خوف نقض العهد من قتلة الشرفاء كما خبره لديكم، وإلا المرض والكبر الملازمان للشخص والغير، وهات يدك يقبلها قرطاسي، نائبا عني وعن جميع ناسي، ويخبرك الطالب محمد بجميع أحوالهم من عدم احترام أهل الإسلام ومالهم وحكم جهادهم أفضل من جهاد النصارى، كما هو منصوص عليه في المدونات الكبرى والصغرى.
وبه كتب عبيدكم محمد المختار بن الأعمش.
توليات ملوك الدولة العلوية لقياد الصحراء
لقد ظل الولاة والرؤساء يتوارثون ظهائر التعيين إلى زمن ليس بالبعيد.
وقد قدمت بعض القبائل وفي مقدمتها أولاد تدرارين جملة من الظهائر الإسماعيلية، بقصد تجديدها إلى محمد الخامس عقب استقلال المغرب وتوجد أصولها في قسم الوثائق الملكية بالرباط.
من بين هؤلاء القادة والرؤساء نذكر:
1- يوسف بن عبد الله
وموطن هذا الرئيس هو توات، وقد انتقل منه واستقر بموضع جنوب وادي نون، وكان هذا الرئيس محط احترام من القبائل في الساقية الحمراء، غير أن الأستاذ محمد الغربي في كتابه “البيعة في الإسلام، ودورها في قيام الدولة المغربية، مع استمراريتها، والمحافظة على كيانها ووحدة ترابها” لم يذكر من عينه من الملوك، إلا أنه قال: “ويبدو أنه أول من أقر في رئاسته من طرف السادة العلويين”.
2- عبيد الله بن سالم
عين هذا بظهير من قبل المولى إسماعيل كقائد وشيخ على تكنة، ولم تمض على رئاسته سوى بضعة أشهر حتى قام الثائر “بوحلاس” ضد حكومة المخزن، وبتفويض من السلطان جمع قبائل تكنة عام 1207هـ/1792م وأحاط بالجهات التي كان الثائر يتحصن بها، إلا أنه انهزم هو ورجاله في هذه الغزوة، وفر هو وبعض أعوانه إلى السودان، ولكن القبائل لم تستكن بعد هذه الحادثة فتحالفت مع قبيلة يوسي واعلي، فقضت على ثورته.
وعندما قام المولى إسماعيل بجولته عبر الصحراء المغربية عام 1217هـ/1802م عاد القائد عبيد الله بن سالم فأقره السلطان على قيادة تكنة بظهير لا زالت العائلة البيروكية تحتفظ به.