يشكل موسم الدخول المدرسي ظرفا زمنيا تكثر فيه الكثير من النقاشات التي تتعلق به وبغيره من الموضوعات المتفرعة عنه، من قبيل: المقررات الدراسية -المناهج التربوية -التبعية للمناهج الغربية -الوضعية المهنية لأطر الأسرة التعليمية -نصيب التعليم من الميزانية الحكومية.. إلخ.
وأهم ما يتم تداوله هو إصلاح التعليم وحالة الأسر الاجتماعية والتبعات الاقتصادية التي ترسم معالم تعليم أبناء الكثير من الأسر المغربية، إذ أنه إذا كانت الأسرة ضعيفة أو متوسطة الدخل فإنها تجد في التعليم العمومي ملاذا لأطفالها وفلذات أكبادها، وأما الأسر الجيدة الدخل فإنها تبحث لأبنائها عن أجود المؤسسات التعليمية الخصوصية لتحصل على دراسة وتكوين أفضل، وتبقى الكثير من الأسئلة عالقة حول هذا الموضوع!!
وقد قمنا بطرح بعضها على مجموعة من الأفراد الذين يمثلون عينات من المجتمع المغربي الذي نعيش فيه، فأتت تصريحاتهم كالآتي:
الحسين (صاحب مكتبة):
أكد بأن أوضاع مجموعة من الأسر لا تسمح لها بالتغطية الكاملة لمصاريف ونفقات هذا الدخول المدرسي، ورجح أن يكون هذا الأمر راجعا بالأساس إلى غلاء أثمنة المقررات المدرسية الحكومية، بله الخصوصية!
وكذلك أكد أن بعض الأسر متوسطة الدخل أصبحت تعمل جاهدة من أجل ضمان تعليم جيد لأبنائها من خلال تسجيلهم في المؤسسات الخصوصية، تلك الجودة التي أصبحت شبه مفقودة في التعليم العمومي، حيث استنكر مستغربا وضع مجموعة من المؤسسات الحكومية التي وصفها بأنها مؤسسات لها قدرة على أن تعطي وتنتج منتوجا تعليميا رائدا بحكم الإمكانات والأموال الطائلة التي تصرف في هذا الإطار، في حين أن الواقع بخلاف ما ينبغي أن تكون عليه هذه المؤسسات، وقد ضرب نموذجا بمدير مؤسسة حكومية في مقابل مدير مؤسسة خصوصية، فوصف الأول بأنه لا يستطيع ضبط مؤسسته والتحكم فيها إن كانت له نية في ذلك أصلا! وأما الثاني فإنه يشكل حجر أساس المؤسسة التربوية، بحيث لا يمكنه أن يسمح بأي تجاوزات للقانون الداخلي للمؤسسة، ويحرص على ضبط التلاميذ، والتحكم الجيد في مسير ومصير مؤسسته؛ ورغم وجود فوارق مادية مهمة بين أطر التعليم العمومي والتعليم الخصوصي، فإن كثيرا من الإشكالات لا زالت تطرح بإلحاح شديد حول عطاء هؤلاء الأطر فيهما، مستثنيا أصحاب الضمائر الحية ومن بقي لديهم وازع ديني، فإنهم يبذلون جهدهم من أجل تخريج جيل يحمل مشعل الإصلاح والتنمية والتطوير في المستقبل.
مريم موحد (طالبة باحثة بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط):
بعد انتهاء الإجازة يُقبل الآباء على فترة عصيبة مع الدخول المدرسي لا سيما الأسر المُكثرة من الأطفال، ونعرف أن المقررات باهظة الثمن مع كثرتها، وما يزيد الطين بلة أداء واجب التسجيل، هذا ما يُثقل المصاريف فيضطر بعض أرباب الأسر أحيانا إلى اللجوء للاقتراض من البنوك الربوية، ويغيب عنهم حكم الربا في هذه الأزمة، بحيث لا يستحضرون أمامهم إلا ضرورة توفير مستلزمات الدخول المدرسي وأداء ثمن الواجبات التي تتطلبها المؤسسة.
وهذا ما يجعل حضور التكافل الاجتماعي، وظهور المحسنين، وتكافل جهود الناس فيما بينهم، من أجل التعاون المنشود في أمة محمد عليه الصلاة والسلام؛ “وتعاونوا على البر والتقوى”، فالمسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وهذا عين البر لأنه يحد من القروض الربوية، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات…) وعدّ منها الربا.
ولقد حذر القرآن الكريم من الربا وتوعد المرابين، قال تعالى: “الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس”، هنا يتجلى دور التكافل الاجتماعي في سد حاجيات بعض الناس، وهذه هي الفرصة، لأن الدخول المدرسي كابوس يمر منه أولياء الأمور وهو ما يؤرق نومهم ويقظ مضجعهم، كيف يوفرون لأبنائهم مستلزمات الدراسة؛ وعيد الأضحى على المشارف أيضا، الآن تتكاثف الهموم وتتناثر بنات الدهر على الأولياء، لا مناص! إما أن يوفروا للأبناء واجبات الدخول المدرسي أو يكونوا سببا في انقطاعهم عن الدراسة، وبالتالي يتزايد الهدر المدرسي، وتكون مستلزمات الدراسة من بين أسباب الانقطاع عنها.
ولكن لو تضافرت الجهود وبادرت مؤسسات التكافل الاجتماعي إلى المساعدة في هذه الفترة، لكان ذلك كفرحة العبد ببعيره إذا ضل منه في فلاة ثم وجده، ويكون المؤمن لأخيه المؤمن فعلا كالبنيان يحفظه من الربا، وما أشد عاقبتها! ولقد قال ربنا جل في علاه: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” الحجرات:10، وقال أيضا: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” التوبة:71، وقال صلى الله عيه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً”، وكذلك قوله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالحمى والسهر”، إن المجتمع بنيان واحد يجب أن يلتفت كل واحد فيه إلى أخيه، ويسنده في أزماته، ويحاول تفريج كربته، وسد حاجته بقدر ما يستطيع.
محسن ركاكنة (فاعل جمعوي)
أعتقد أن الأمر سيكون في غاية الصعوبة بالنسبة للأسر المعوزة خاصة أن الدخول المدرسي يأتي هذا العام بعد مدة وجيزة من انقضاء شهر رمضان المبارك، وليس بينه وبين عيد الأضحى إلا حوالي شهر واحد.
ويمكن لي هاهنا أن أقدم مجموعة من الاقتراحات والحلول التي قد تساعد في تجاوز هذا الظرف الصعب بالنسبة لهذه الأسر، وهو أن تتحرك الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإحسانية لتقديم يد العون للأسر في وضعية صعبة بالقيام بعدة أنشطة، من بينها توزيع محفظات وكتب ومقررات دراسية على أبناء هذه الأسر..، وكذلك إعادة النظر في المقررات الدراسية والتركيز على الكيف أكثر من الكم.
وعند سؤالي له عن علاقة المقررات الدراسية بهذه الأزمة التي تعيشها بعض الأسر أوضح ركاكنة ذلك بقوله: “إذا لاحظت في السنوات الأخيرة المقررات المدرسية كثيرة، وتشكل عبئا على رب الأسرة، فلو كان هناك إعادة نظر فيها، ومحاولة التركيز على الكيف أكثر من الكم، لكان ذلك خير سبيل لإخراج هذه الأسر من مثل هذه الأزمات؛ مسألة أخرى أؤكد عليها: على الدولة أن تعمل من أجل تخفيض ثمن المقررات الدراسية وذلك بالضغط على الشركات المنتجة لها؛ وعليها كذلك تحمل مسؤولياتها فيما يخص الرفع من القدرة الشرائية للمواطنين”.
محمد مناني (طالب بجامعة ابن طفيل القنيطرة)
أرجع هذا الأخير أن الأزمة تقع لهذه الأسر بسبب سوء تخطيطها أو انعدامه، فلو أن رب الأسرة عمل على تدبير هذه المرحلة بشيء من التخطيط المحكم والجيد، لكان ذلك منجى له من الوقوع في مثل هذه الأزمات؛ فمثلا إذا كان سيكلفه السفر 3000 درهم، أضف إليها مصاريف شهر رمضان وعيد الفطر، وزد عليه مصاريف الدخول المدرسي وكذلك عيد الأضحى المبارك، فإنه ليس من الحكمة في شيء، أن يتجرع تكاليف السفر -لأنه أمر ثانوي غير ضروري- وهو يعلم ما يتبعه من مصاريف متعددة، والمرأة تلعب دورا هاما ومحوريا في البيت إذ ينبغي أن تحث زوجها على ضبط مصاريفه، لا أن تكون مسهمة معه في إسراف إنفاقه وعدم التحكم فيه، ولو أراد الرجل مثلا أن يسافر فلها أن تطلب منه الكف عن ذلك، مذكرة إياه بما يلحقه من تكاليف مهمة ينبغي أن يضعها في حسبانه دائما، وبذلك لن يطرح لديه إشكال هذه المرحلة، ولن يشكل الدخول المدرسي إكراها له.