الانعكاسات الإيكولوجية للتغير المناخي

للبيئة مدلولات معنوية متعددة؛ كالبيئة الاجتماعية، البيئة الصحية، البيئة السياسية وغيرها. يهمنا منها هنا مدلولها الطبيعي، إذ تعتبر بمثابة الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويستمد منه كل مقومات حياته[1]، بينما أعطاها مؤتمر ستوكهولم سنة 1972، فهما متسعا؛ بحيث أصبحت لا تدل على مجرد عناصر طبيعية كالماء والهواء والتربة والمعادن ومصادر الطاقة والنباتات والحيوانات، بل هي رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته.

على صعيد العالم العربي، يعتبر اليوم الرابع عشر من شهر أكتوبر؛ مناسبة تحتفل فيه الدول العربية بيوم البيئة العربي، وهو اليوم الذي عُقد فيه الاجتماع الأول للوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة في تونس سنة 1986، ليبدأوا مسيرة التعاون العربي البيئي.

لذلك أصبحت آثار التغير المناخي على الصعيد البيئي محطة اهتمام وطني وإقليمي ودولي، من أخطر هذه الآثار:

 

ارتفاع مستوى سطح البحر

إن ذوبان الجبال الجليدية والتمدد الحراري لمياه البحار من أهم أسباب ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد مناطق الأراضي المنخفضة والجزر الصغيرة؛ لقد ارتفع مستوى سطح البحر على مستوى العالم بمقدار 15 سم خلال القرن الماضي، وفي ظل التغير المناخي القائم فإنه من المحتمل بحلول 2030 أن يصل ارتفاع مستوى سطح البحر إلى 18 سم وإذا ما استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الحالية في الازدياد، فبحلول 2100 سيرتفع مستوى سطح البحر بمقدار 65 سم عن مستواه الحالي.

إن معظم الأراضي الساحلية المهددة غير محمية وبها كثافة سكانية عالية وذلك في بعض الدول شديدة الفقر. شواطئ دولة بنجلاديش معرضة للتدمير الفيضاني، ستصبح ضحية مثلها مثل العديد من الجزر الصغيرة كجزر دولة المالديف.

ويؤكد العلماء أن الذوبان الكامل للأماكن الجليدية في غرويلاند[2]، سيؤدي إلى ارتفاع مستوى المحيطات بسبعة أمتار، مما قد تكون له انعكاسات مأساوية بالنسبة لأكثر من %60 من ساكني العالم الذين يعيشون على أقل من 100 كيلومتر من الشواطئ ومصبات الأنهار.

بينما كشف وزير البيئة الأندونيسي راشمات وثيلار أن ارتفاع حرارة الأرض يهدد 2000 جزيرة من جزر الأرخبيل الأندونيسي بالغرق بحلول سنة 2030 وذلك بسبب استمرار ذوبان جليد القطب وارتفاع مستوي البحار والمحيطات، بينما أعلن الرئيس مأمون عبد القيوم رئيس جمهورية المالديف التي تتكون من مجموعة جزر أن بلاده قد تختفي من الوجود تماما خلال قرنين من الزمان بسبب تغيرات المناخ.

وقد ذكر المصري خالد عودة أحد أبرز علماء الجيولوجيا في العالم، بأن مناطق عديدة سوف تتعرض لغرق مساحات شاسعة، وخاصة المدن الساحلية مثل البندقية والإسكندرية ودمياط وبورسعيد والدول الساحلية ذات الأراضي المنخفضة عن سطح البحر مثل البنجلادش وسريلانكا وإندونيسيا وفيتنام وتونس وسيراليون والصومال وموزنبيق وأراضي الدلتات مثل دلتا المسيسبي بفلوريدا ودلتا النيل بمصر وكثير من الجزر بالمحيط الهادي والأطلسي والهندي.

 

ارتفاع وتيرة انقراض التنوع البيولوجي

أثرت الأنشطة البشرية في المناطق البيولوجية، وخاصة الغابات الاستوائية الرطبة؛ بتحويل مساحات غابوية إلى حقول زراعية، وفي السهول الساحلية والأنظمة البيئة الشاطئية، تؤدي هذه الظواهر إلى ارتفاع وتيرة انقراض التنوع البيولوجي.

ومن الممكن أن تتسارع وتيرة الانقراض. فأكثر من 000 16 نوع مما تم تحديده يعتبر مهددا. ومن بين مختلف مجوعات الفقريات التي تم تقدير أعدادها بشكل شامل، تعتبر 30% من البرمائيات و23% من الثدييات و12% من الطيور مهددة بالانقراض.

أما فقريات المياه العذبة فقد تقلصت أعدادها بسرعة أكبر من الأنواع البرية أو البحرية حيث انخفضت أعدادها بـ 50% بين 1987 و2003، ويتوقع العلماء أن تتعرض جميع المنظومات الطبيعية إلى تهديد شديد بما فيها الأنهار الجليدية والغابات الاستوائية وغابات البحر الأبيض المتوسط والشعب والبحيرات المرجانية.

يقول بيرنارد سالفاط Bernard Salvat الأستاذ بجامعة بيربينيان Perpignan والمتخصص في البيئة المدارية؛ يقول بأنه على مساحة 000 600 كيلومتر مربع من البحيرات المرجانية، يقدر بأن 20% من الشعب قد دمرت بشكل نهائي، أو أن حظوظ إنقاذها ضئيلة، وأن 25% منها توجد في حالة خطيرة و25% مهددة و3% فقط هي التي توجد في حالة مقبولة.

وحيث أن هذه الأنواع المختلفة مرتبطة بعضها مع بعض بشبكة متكاملة، فمن الممكن أن تدمر نظم بيئية بأكملها.

 

حدوث العواصف الشديدة

يؤدي ارتفاع معدل درجات الحرارة للغلاف الجوي ومياه البحار إلى زيادة عمليات التبادل في الطاقة، حيث تخلق موجات من الأعاصير الحلزونية الاستوائية المعروفة بـ«السيكلون» والأعاصير العميقة المعروفة «بالتورنادو».

يعتبر إعصار التورنادو من أكثر العواصف الجوية تدميرا، يتكون عندما يزحف هواء قطبي بارد فوق هواء مداري دافئ رطب قادم من خليج المكسيك. غالبا ما يتكون في البحر ثم ينتقل إلى البر.

كيف تتكون العواصف والأعاصير والزوابع العاصفة؟

إذا سخن الماء في بقعة معينة من المحيط؛ يتعرض الغلاف الغازي للتدفئة؛ فيرتفع إلى أعلى لخفة وزنه جاذبا معه الهواء البارد، يبدأ الهواء البارد في تغليف الهواء الساخن على شكل عمود في حركة حلزونية، فيتحرك تيار الماء حركة قد تفوق أحيانا المائتي كيلومتر في الساعة، فتحمل كميات هائلة من الماء تدمر الشواطئ.

إذا احتكت العواصف باليابسة تفقد جزء من سرعتها، لكن على حساب اقتلاع العطاء النباتي وتدمير الزروع والعمران. وترجع السرعة المدمرة للرياح المرافقة للإعصار إلى صغر مساحته وشدة تدرج الضغط الجوي، فأغلب أعاصير التورنادو لا يزيد عرضها عن كيلومترين، بينما تصل سرعة الرياح إلى 500 كلم في الساعة.

أما مصدر الطاقة فيرجعه علماء المناخ إلى الطاقة الكهربائية المتراكمة في الإعصار بفعل شدة البرق[3].

 

تضرر الموارد المائية العذبة

عرفت مصادر المياه العذبة تدهوراً كبيراً في الآونة الأخيرة لأسباب عديدة أهمها:

– قصور خدمات الصرف الصحي؛ وهي مياه المجاري، تحتوى على أنواع من الجراثيم الضارة نتيجة للمخلفات التي تُلقى فيها ولا تُحلل بيولوجياً، مما يؤدى إلى انتقالها إلى مياه الأنهار والبحيرات.

– التخلص من مخلفات الصناعة بدون معالجتها، وإن عولجت فيتم ذلك بشكل جزئي. وخاصة المخلفات السائلة الناتجة عن الصناعات الكيماوية؛ كالمنتجات الأسمنتية ومنتجات البلاستيك، والمنظفات والصباغات وتكرير البترول. مما يجعل المياه تفقد حيويتها بدرجة تصل إلى انعدام الأكسجين الذائب بها، ومن ثَّم تنشط البكتريا اللاهوائية في ظل انعدام الأكسجين الحيوي فيحدث تخمر وتتعفن المياه. كما تتسرب المواد الملوثة والمعادن الثقيلة إلى المياه الجوفية. لتنقل الميكروبات المعوية المعدية في حالة وصولها إلى طعام الإنسان.

لذلك فإنه في حدود سنة 2100 سيصعب على دول العالم مواجهة خسائرها نتيجة تزايد الطلب على المياه العذبة، في وقت تتزايد فيه أعداد السكان.

 

 

تلوث الهواء

يتألف الهواء في الحالات العادية من التركيبة الكيماوية التالية:

– غاز النيتروجين بنسبة 78%

– غاز الأكسجين بنسبة 21%

– غازات أخرى 1% عندما تدخل مركبات أخرى للهواء يصبح الهواء ملوثاً، أخطرها الدخان المنبعث من المصانع والسيارات والسجائر، وتمثل المدن الصناعية الكبرى في جميع أنحاء العالم؛ أكثر المناطق تعرضاً للتلوث.
يعتبر الهواء أكثر العناصر المكونة للبيئة عرضة للتلوث، لكون الملوثات الغازية تُحمل عبر مسارات الرياح، مما يؤثر في التربة والماء والنبات والغذاء ثم الإنسان.

وتكمن الخطورة في أن الهواء هو الأكثر طلباً للكائنات الحية من الماء والتربة، فالفرد الواحد يحتاج يوميا كمية من الهواء تعادل ستة أضعاف حاجته للماء وعشرة أضعاف حاجته للطعام. ينجم عن حاجته هذه ازدياد الخطورة على صحته.

 

تدهور الأراضي الهامشية واتساع التصحر

التصحر حسب مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية سنة1992؛ عبارة عن تدهور الأراضي في المنظومات البيئية الجافة، نصف الجافة وشبه الرطبة، تحت تأثير عوامل متعددة تضم إلى جانب الأنشطة البشرية التغير المناخي.

وهو حسب منظمة الفاو بروما؛ تهدم الإمكانات البيولوجية للأرض بشكل يؤدي إلى بروز مظاهر صحراوية.

إلا أن امتداد المجالات المتصحرة لا يتم بالإلزام عند الهوامش المباشرة للصحراء، بل على شكل جيوب بعيدة في بعض الحالات؛ بسبب ظروف محلية، قد تتصل هذه الجيوب فيما بينها بعد ذلك؛ مؤدية إلى تعميم ظاهرة التصحر في الهوامش الأصلية للصحراء.

من بين مؤشرات التصحر:

– تراجع الغطاء النباتي تحت وطأة الاستغلال أو انجراف التربة، أو تعريتها بالرياح من عناصرها الدقيقة الخصبة.

– تمليح الأراضي تحت وطأة نمط سقي غير رشيد لم يرافقه تصريف دائم للمياه في مجالات أصلا غنية.

– نزول مستوى الفرشة المائية الباطنية وتجفيف القطاع الترابي، يعتبر مؤشرا هاما لانطلاق مسلسل التصحر.

بلغ مجموع الأراضي المتصحرة، حسب معطيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 950 مليون هكتار في نهاية الثمانينات، بينما توجد 4500 مليون هكتار أخرى مهددة بالتصحر.

 

الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للتغير المناخي

سبب التغير المناخي في 30 سنة الأخيرة خسائر اقتصادية فادحة: تقدر في وم أ بحوالي 26 مليار دولار خلال سنة 2004 بسبب الأعاصير. وبلغ حجمها في أوربا 17 مليار يورو سنة 2003 بسبب موجة الحر.

إلى درجة أن وزارة الخزانة البريطانية؛ أصدرت تقريرا حذرت فيه من أن التغير المناخي سوف تكون لها انعكاسات مدمرة على الاقتصاد العالمي؛ قد تفوق الآثار التي سببتها الحربان العالميتان، وأن مواجهة هذه الانعكاسات سوف تكلف العالم ما بين 5 و20% من إجمالي الدخل لمختلف دول العالم سنويا.

وأظهرت إحصاءات مجموعة ميونيخ للتأمين أنه ما بين سنتي 1950 و1999 أدت الكوارث الطبيعية الكبرى، التي تعود أسباب معظمها إلى أحوال الطقس والمناخ، إلى خسائر لشركات التأمين بلغت 141 بليون دولار؛ نتيجة الخسائر في الأرواح والممتلكات.

يؤدي كل ذلك إلى تداعيات اجتماعية بسبب هجرات جماعية من المناطق المتأثرة إلى مناطق أخرى أحسن حظا؛ سواء داخل الدولة الواحدة أو دول الجوار أو دول أخرى. مما سينتج عنه ضغوط متزايدة على الموارد البيئية.

 

 

 

الانعكاسات الفلاحية للتغير المناخي

إذا كان المناخ يؤثر في الفلاحة، فإنه يسهم في زيادة تقلباته وتغيراته. بمعنى أن المناخ يؤثر في جميع القطاعات الفلاحية؛ إذ يعزى ما بين 10 و100% من تفاوتات الإنتاج إلى التقلبات المناخية. إضافة إلى الخسائر المرتبطة بالأعاصير والفيضانات.

إلا أنه تأكد لدى المختصين أن أعمال الفلاحة التقليدية، واستخدام الأسمدة التقليدية تمثل مصدرا لنسبة 70% من أكاسيد الأزوت. وأن المصادر الزراعية مسؤولة عن حوالي 30% من ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض في العالم.

إن الانعكاسات المحتملة للتغير المناخي على الإنتاج الفلاحي، لن تعمم على الصعيد العالمي؛ فبينما يتوقع انخفاض في حجم المحاصيل الزراعية والثروات الحيوانية في أفريقيا وأغلب مناطق أمريكا الجنوبية وآسيا، ستستفيد بعض البقاع الأخرى، باتساع نطاق الزراعة في نيوزيلندا وشمال روسيا وأمريكا الشمالية.

إلا أن أخطر الانعكاسات الفلاحية للتغير المناخي تتلخص في:

ارتفاع مستوي سطح البحر سيهدد بفقدان مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة.

تهديد البنية الأساسية للفلاحة؛ والمتمثلة في الموارد المائية والتربة؛ سواء على مستوى الكميات القابلة للاستغلال أو على مستوى جودتها.

– تهديد الغطاء النباتي؛ إما باحتدام الحرائق والاجتثات، وبما أن الأشجار جالب رئيسي للأمطار فإن ذلك يسهم في التذبذبات المطرية.

– تضرر الإنتاج الزراعي البعلي (البوري)؛ والإنتاج الحيواني، إثر تعاقب سنوات الجفاف، أو الفيضانات.

– تضرر زراعة القمح والحبوب من جراء عدم انتظام الأمطار زمنيا ومكانيا، مما يؤثر سلبا في إنتاجية محصول القمح؛ أحد أهم ركائز الأمن الغذائي العالمي.

– ارتفاع درجة الحرارة قد يؤدي إلى انتشار الأعشاب الضارة.

– زيادة ملوحة المناطق الساحلية سوف تؤثر في الزراعة الساحلية وإمدادات المياه.

تداخل الفصول الأربعة مع بعضها البعض؛ مع زيادة متوسط كمية الأمطار في العالم بنسبة تصل إلى 5%، مع تكثيف وتسريع معدل دوران المياه في الجو؛ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة معدلات النتح والتبخر؛ أي حدوث تغييرات ملموسة في التوزيع الجغرافي للأقاليم المناخية، وما يرتبط بها من انتقال النظم البيئية والنباتات والحيوانات إلى مناطق جديدة؛ قد يؤثر إيجابا على الإنتاج في المناطق المعتدلة وسلبا في المناطق المدارية.

يتوقع أن ينتج عن ذلك إتلاف لبعض المنتوجات الزراعية، أو انتقال بعضها من منطقة لأخرى، مما يتطلب إجراء دراسات علمية متخصصة لفترة نمو المحاصيل ومدى تحملها ارتفاع درجات الحرارة، ويفرض إعادة النظر في النمط الزراعي؛ باستبدال زراعات تتأقلم مع التغير المناخي، سواء من حيث التذبذبات المطرية أو الحرارية.

وحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، لقد مرت تكلفة إصلاح الأراضي المتدهورة من 26 إلى 42 مليار دولار في السنة ما بين 1980 و1991. أما الخسارات السنوية الناجمة عن تدهور الأراضي في المجالات الجافة فهي تقدر ب 26 مليار دولار وهو ما يمثله تراجع الإنتاجية الفلاحية.

 

الانعكاسات الصناعية للتغير المناخي

إذا كان التغير المناخي يؤثر في الصناعة، فإنه المتهم الأول المسؤول عن هذه التغيرات، إذ أن حدوث تغيرات في درجات الحرارة والرطوبة والأمطار والرياح وغيرها من عناصر المناخ، يؤثر في تكلفة المواد الخام والمياه والطاقة، وفي البنى التحتية اللازمة للصناعة، ويؤثر في تنافسية واستمرارية المشاريع الصناعية، والتنمية الصناعية عموما.

غير أن الدول الصناعية الكبرى لها وجهة نظر أخرى؛ تدعي فيها أن التزامها بقرارات المؤتمرات الدولية؛ يُحمِّل صناعتها خسائر كبيرة ويفقدها الملايين من فرص العمل، وأن النمو الصناعي يعتبر حلا للتغير المناخي وليس سببا له، إذ توفر الأموال التي يمكن استثمارها في تنمية واستخدام التقنيات الصديقة للبيئة، وتقديم حوافز تشجيعية للشركات والأفراد؛ ويؤدى في النهاية إلى خفض الملوثات اختياريا لا إلزاميا.

وقد انسجم موقف الدول الصناعية، مع موقف الدول المنتجة للنفط؛ باعتبار أن التزامها بالاتفاقيات الدولية سيؤدي إلى إغلاق أسواق منتجها الوحيد. وتطالب بتعويضات عن الخسائر وفق نصوص هذه الاتفاقيات.

 

الانعكاسات التجارية للتغير المناخي

يؤثر التغير المناخي على السير التجاري العادي، وخاصة الجوي، يتمثل أوضح مثال في توقف الملاحة الجوية بأوروبا مدة أسبوع خلال أبريل 2010، إثر ثوران بركان إيسلاندا.

اقترحت الدول الصناعية بفتح أسواق الدول النامية؛ وخفض التعريفة الجمركية على سلع التكنولوجية النظيفة، مثل أبراج الرياح والألواح الشمسية، بدعوى أنها لا تملك التكنولوجية اللازمة لصنع سلع صديقة للبيئة.

إلا أن الدول النامية تتخوف من هذا الاقتراح، وتعتبره من النوايا التجارية الخفية للدول الصناعية؛ والتي ستؤدي إلى إغراق أسواقها؛ بحجة ترويج السلع الصديقة للبيئة، على حساب تنمية إنتاجها المحلي، وتكريس التبعية الصناعية والتجارية.

وفي هذا الصدد حذر مجلس الوزراء العرب في دورته 19 دجنبر2007؛ من عواقب اتجاه الدول المتقدمة إلى تشجيع الدول النامية على زراعة المحاصيل المنتجة للوقود الحيوي عوض الغذاء، وشجع انتاجه من المخلفات العضوية. تفاديا لتكريس المزيد من التبعية الغذائية، وبالتالي تهديد أمنها الغذائي.

مما جعل الخبراء الاقتصاديين يعتبرون أن الدول الصناعية الكبرى لا تتعامل مع مسألة إيجاد حلول للتغير المناخي بدافع الحرص على مستقبل البيئة العالمية فحسب، بل وأساسا بدافع حسابات الأرباح والفرص الاستثمارية والتجارية التي توفرها حلول المشاكل المناخية.

في سبيل التوسع في استخدام الطاقة المتجددة وتخفيض حجم الانبعاثات الضارة، قد تلجأ العديد من الدول الكبرى إلى فرض العديد من القيود والحواجز الجمركية، على الدول التي لا تتخذ تدابير للحد من الانبعاثات الضارة، وهو ما قد يزيد من حجم الصراعات الدولية المتعلقة بالقيود الحمائية على الدول.

وعند النظر – على سبيل المثال – إلى السياسة الأمريكية الجديدة المتعلقة بالطاقة والمناخ من خلال (مشروع قانون التغير المناخي) الذي أجازه مجلس النواب الأمريكي، ويلزم الشركات الأمريكية بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى بنسبة 17% بحلول سنة 2020 وبنسبة 83% بحلول سنة 2030، وفرض عقوبات تجارية وضرائب باهظة على الدول التي لا تتخذ خطوات في سبيل تقليل حجم الانبعاثات الدفيئة، نجد أن هذا القانون من شأنه أن يخلق مجموعة من الصراعات الدولية المستقبلية؛ خاصة إذا حذت العديد من الدول الكبرى نفس التوجه الأمريكي، والذي من الممكن أن يخلق حالة من الفوضى والصراعات التجارية بين الدول، وانتقال العديد من الشركات الدولية نحو الدول التي تتمتع بمزايا تنافسية، وتتخذ العديد من الخطوات نحو تخفيض حجم الانبعاثات الضارة.

وواقعياً ثمة تنامٍ واضحٍ لما يعرف باسم (الحمائية الخضراء)، فالاتحاد الأوروبي قد وضع قيودا على دخول أنواع الوقود الحي التي لا تتوافق مع المعايير البيئية، وهدد في سنة 2008 ثمانية من الدول النامية باتخاذ إجراءات قانونية أخلت مكونات لا تنطبق عليها هذه المعايير. وكذلك معروف أن ثمة قوانين تجارية حمائية تخلق توترات راهنة بين الدول النامية والدول المتقدمة وأبرزها ما يتعلق بحق حماية الوظائف المحلية.

ومن ثم فإن أحد أهم مصادر الصراعات المستقبلية؛ يتعلق بانتشار سياسات الحمائية التجارية الخضراء، ولجوء العديد من الدول إلى فرض عقوبات وقيود على الدول التي لا تلتزم بالقيود الحمائية والاشتراطات البيئية.

 
—————————–
[1] حسب كتاب البيئة ومشكلاتها، مجلة عالم المعرفة؛ أكتوبر 1979، ص 9.
[2] جزيرة تقع في الشمال الشرقي لكندا، تقدر مساحتها بمليوني كيلومتر مربع (5مرات مساحة فرنسا) تغطي الثلوج 85 % منها.
[3] انظر تفاصيل حول نشأة الأعاصير في:
– كتاب الأرصاد الجوية للدكتور أحمد أحمد الشيخ: جامعة المنصورة، سنة 2004، ص 158-165.
– كتاب الجغرافيا المناخية والنباتية للدكتور عبد العزيز طريح شرف، دار المعرفة الجامعية، سنة 2000، ص 160-165.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *