الشذوذ الجنسي بين موقفي كل من رابطة علماء المغرب سابقا والجمعيات الحقوقية العلمانية نبيل غزال

في سنة 2005، وبالضبط تزامنا مع أحداث تطوان أقام الشواذ تجمعا احتفاليا في إحدى القاعات المعروفة بالمدينة، وفي سنة 2007 عرفت مدينة القصر الكبير فضيحة “زواج شواذ”، حين أقدم فؤاد1 وفؤاد 2 على إقامة حفل زواج هاجم على إثره مواطنون غيورون منزل فؤاد، ونقلت صور وقائع العرس على شبكة الإنترنت، مما خلف استياء عاما لدى المغاربة، وقد نفى حينها وزير الداخلية شكيب بن موسى أن يكون الحفل الذي أثار صدمة كبيرة في مدينة القصر الكبير عرسا للشواذ، وصرح بأنه كان مجرد “طقوس للشعوذة تعوَّد أفراد من سكان المدينة على القيام بها”، في حين وبعد أقل من سنتين اعترف منسق جمعية “كيف كيف” في تصريحه الأخير لجريدة الصباح أن الحادث كان بالفعل زواجا للشواذ، وقد تدخل هو بنفسه لدى السفارة الإسبانية وغيرها لإطلاق سراح المعتقلين.
وفي الشهر المنصرم شهدت الساحة الإعلامية خرجات متعددة لمجموعة من المثليين، كان آخرها الحوار الذي أجرته جريدة الصباح مع منسق جمعية “كيف كيف”، والذي أثار حراكا اجتماعيا تمايزت فيه مواقف النخبة بين مؤيد على استحياء معتمد على كونه لا يعدوا أن يكون ممارسة لحق فردي مكفول بموجب المواثيق الدولية.
فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، واعتمادا على تبنيها للمرجعية الدولية لحقوق الإنسان، مافتئت تدافع عن الشواذ وتنادي -كما تزعم- باحترام الحياة الشخصية وضمان الحريات الفردية، ولم تجد إحراجا إزاء ما ينص عليه القانون الجنائي المغربي، من تجريم لهذا السلوك، حيث لم تخف خديجة الرياضي رئيسة الجمعية في تصريحها لجريدة المساء أن جمعيتها من المطالبين بإلغاء الفصل 482 من القانون الجنائي، الذي يعاقب على أفعال الشذوذ.
وأعربت أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في تصريح لجريدة المساء أيضا أن مثار الجدل الذي يحدثه التطرق لهذا الموضوع هو خروجه من بوثقة الغرف المظلمة إلى النور، ومن السر إلى العلن، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الناس المتحدث عنهم، الذين لهم تركيبة فيزيولوجية خاصة، وهم أيضا لهم حقوق وواجبات. كما أن المرجعية الحقوقية العالمية تعطي الحق لهؤلاء في أن يكونوا متواجدين وأن يعرف الجميع ميولاتهم. اهـ
واعتبارا للمرجعية الفكرية لمثل هذه الجمعيات الحقوقية المتبنية للثقافة الكونية وثقافة حقوق الإنسان التي تجرِّم القوانين التي تعاقب على الشذوذ الجنسي، وتعتبر أن كل تفرقة أو عقاب على أساس “الجندر” يشكل جريمة ضد الإنسانية، فإن التعرض للشواذ وإلحاق العقوبة بهم يعد جريمة وتعدٍّ سافر على الحريات الفردية.
ولإيمان علمانيي وحداثيي المغرب المطلق بالمبادئ التي نصت عليها اتفاقيات حقوق الإنسان، أطلقوا في يناير 2008 ومباشرة بعد أحداث القصر الكبير نداء لحماية الحريات الفردية وقع عليه أغلب العلمانيين كرد فعل للانتفاضة التي قام بها سكان القصر الكبير ضد مروجي الشذوذ.
فهدف العلمانيين هو التطبيق الحرفي للمبادئ التي نصت عليها اتفاقيات حقوق الإنسان، بغض النظر على موافقتها لنصوص الوحي ومقومات هوية البلد الذي ينتمون وينتسبون إليه، بل يطالبون بضرورة ملاءمة القوانين الداخلية حتى تستجيب لمقتضيات المواثيق الدولية.
ورحم الله زمانا كانت فيه رابطة علماء المغرب تندد بفعلة قوم لوط، وتطالب بالضرب على يد من سولت له نفسه الزج بأبنائنا في مهاوي الرذيلة والفحشاء، فقد أصبحنا اليوم في زمان لا نسمع فيه صوتا لعلماء البلد في مثل هذه الأمور وكأنها ليست من الدين، علما أن الله تعالى قص علينا قصة قوم لوط وكررها غير ما مرة في القرآن، ليحذرنا سبحانه وتعالى سبيلهم، ولبين لنا فظاعة وبشاعة جرمهم.
ففي الوقت الذي لم نسمع للرابطة المحمدية للعلماء أي حراك حول هذه القضية، وفي الوقت الذي التزم المجلس الأعلى العلمي الحياد، لا يسعنا إلا استحضار الموقف المشرف للأمانة العامة لرابطة علماء المغرب، قبل إجراء التغييرات التي جعلتها أبعد ما تكون عن الأهداف التي أنشئت من أجلها على يد أمثال العلامة السلفي عبد الله كنون، فقد سبق أن أصدرت بيانًا واضحا أدانت فيه بشدة أطماع اللوطيين في تأسيس جمعية تمثلهم في المغرب، ووصفت تحركاتهم بـ “ترويج للفاحشة ونشر الفساد”، وذلك على هامش الضجة التي أحدثها تداول الشارع المغربي أوائل سنة 2006 خبرًا بشأن احتمال عقد مؤتمر لهم في مدينة مراكش، غير أن هذا المؤتمر لم يتجاوز وقتها حدود “الشائعات”.
وطالبت الأمانة العامة في البيان نفسه بـ”الضرب على يد من تسول له نفسه الزج بأبنائنا في مهاوي الرذيلة والفحشاء تحت أي اسم أو شعار، والتصدي له إن اقتضى الحال بكل الوسائل المشروعة”.
كما جاء في البيان أنه “في حالة ما إذا كان الإباحيون أفرادًا مغاربة، فعليهم أن يستحضروا عذاب الله تعالى الوارد في سورة النور بقوله {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النور، وأما إذا كان الإباحيون أجانب عن المغرب فإنه يجب التأكيد على أن المملكة المغربية بلد الإسلام والإيمان، متمسكة بأخلاقها الإسلامية ومحافظة على هويتها، ولا يقبل شعبها أن تنتشر فيها الفاحشة والمنكر”.
إن تكميم أفواه العلماء ومصادرة أقوالهم، والتمكين للعلمانيين وتكثير منابرهم لن يخدم بلدنا أبدا، فأطماع العلمانيين واضحة لا تحتاج إلى بيان، هدفهم هو تحقيق التبعية المطلقة للغرب: الفكرية والاقتصادية والسياسية، فإنهم وإن تظاهروا بالمودة والطاعة فهم لا يعيرون اهتماما لثوابت البلد البتة، لا لإمارة المؤمنين ولا لوحدة البلد العقائدية أو المذهبية، فمتى نعطي القوس باريها؟ ومتى يستعيد العلماء مكانتهم الحقيقية في تأطير الشأن الديني؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *