مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء لثبوت ذلك بالكتاب والسنة والواقع

الكرامات جمع كرامة، وهي أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد ولي تأييدا له، أو إعانة، أو تثبيتا، أو نصرا للحق، ولهذا كانت الكرامات في التابعين أكثر منها في الصحابة، لأن الصحابة عندهم من التثبيت والتأييد والنصر ما يستغنون به عن الكرامات، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بين أظهرهم، وأما التابعون فإنهم دون ذلك، ولذلك كثرت الكرامات في زمنهم تأييدا لهم وتثبيتا ونصرا للحق الذي هم عليه.

والكرامة ثابتة بالقرآن والسنة والواقع.
فمن الكرامات الثابتة بالقرآن قصة أصحاب الكهف، الذين عاشوا في قوم مشركين، وهم قد آمنوا بالله، وخافوا أن يغلبوا على أمرهم، فخرجوا من القرية مهاجرين إلى الله عز وجل، فيسر الله لهم غارا في جبل، وجه هذا الغار إلى الشمال، فلا تدخل الشمس عليهم فتفسد أبدانهم ولا يحرمون منها، إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوه منه، وبقوا في هذا الكهف ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا، وهم نائمون، يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال، في الصيف وفي الشتاء، لم يزعجهم الحر، ولم يؤلمهم البرد، ما جاعوا وما عطشوا وما ملوا من النوم. فهذه كرامة بلا شك، بقوا هكذا حتى بعثهم الله وقد زال الشرك عن هذه القرية، فسلموا منه.
ومن ذلك قصة مريم رضي الله عنها، أكرمها الله حيث أجاءها المخاض إلى جذع النخلة، وأمرها الله أن تهز بجذعها لتتساقط عليها رطبا جنيا.
ومن ذلك قصة الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه، كرامة له، ليتبين له قدرة الله تعالى، ويزداد ثباتا في إيمانه.
أما في السنة، فالكرامات كثيرة جدا، منها:
حديث أنس رضي الله عنه أن أُسَيد بن حُضير وعبَّاد بن بشر رضي الله عنها خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما. (رواه البخاري).
وحديث أسيد بن حضير رضي الله عنه، قال: “بينما كنت أقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسي مربوط عندي، إذ جالت -دارت- الفرس، فسكتُّ فسكنت، فقرأت فجالت الفرس، فسكتُّ فسكنت، ثم قرأتُّ فجالت. وكان ابنه يحيى قريبا منه فأشفق أن تصيبه، فأخذه من مكانه خشية أن تصيبه، قال: فرفعتُّ رأسي إلى السماء فإذا مثل الظُّـلَّة -السحاب- فيها أمثال المصابيح، فخرجَت حتى لا أراها. فلما أصبح حدَّثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: وتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأتَ لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم) رواه البخاري.
وفي قصة أسر خبيب بن عدي رضي الله عنه، قالت من كان أسيرا عندها: (ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة ثمرة، وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله إياه) رواه أحمد.
وأما شهادة الواقع بثبوت الكرامات فظاهر، يعلم به المرء في عصره إما بالمشاهدة، وإما بالأخبار الصادقة.
وقد ذهب أهل السنة والجماعة من الفقهاء والأصوليين والمحدثين وغيرهم -خلافا للمعتزلة ومن وافقهم- إلى أن ظهور الكرامة على الأولياء جائز عقلا، لأنها من جملة الممكنات، وأنها واقعة نقلا مفيدا لليقين من جهة مجيء القرآن بها، ووقوع التواتر عليها قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل. وبعد ثبوت الوقوع لا حاجة إلى إثبات الجواز. (انظر: قطر الولي للشوكاني ص:257 ، وبستان العارفين للنووي ص: 141 ـ 155، وشرح الطحاوية للغنيمي ص: 139، ولوامع الأنوار البهية 239/4 ، والمحلي على جمع الجوامع وحاشية العطار عليه 2/481).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 3/153: “ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة”.
وقال رحمه الله: “وكرامات الأولياء حق باتفاق أهل الإسلام والسنة والجماعة، وقد دل عليها القرآن في غير موضع، والأحاديث الصحيحة والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، وإنما أنكرها أهل البدع من المعتزلة والجهمية ومن تابعهم، ولكن كثيرا ممن يدعيها أو تدعى له يكون كذابا أو ملبوسا عليه”. (مختصر الفتاوى المصرية ص 600).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *