الجريمة في المغرب مسؤولية من؟

 

تضعنا الإحصائيات الدولية، كأحد البلدان التي تعرف ارتفاعا في معدلات الجريمة، وتصنفنا في رتب متوسطة عالميا، متقدمة عربيا، فموقع “نامبيو” مثلا، بوأنا المرتبة 43 عالميا والسادسة عربيا، في إحصائياته للسنة الماضية، وفي الوقت الذي احتلت فيه الدار البيضاء الرتبة 94 عالميا في معدلات الجريمة، فإن أبو ظبي احتلت الرتبة 334 عالميا، وراء كل من الدوحة وبازل وميونيخ.

فهل تفشي الجريمة بهذا الشكل المرعب، يعود لتقصير أمني، أم لغياب سياسة ناجعة؟ أم لعوامل متشعبة ومركبة ومتداخلة؟

خلص استطلاع لإحدى المؤسسات المهتمة بأسباب الجريمة شمل 530722 مواطنا من أعمار مختلفة ومن الجنسين معا، إلى النتائج التالية: 47.88%، جعلوا سبب انتشار الجريمة بالمجتمع يعود إلى “ضعف أداء رجال الأمن، 43.21%، رأت أن انتشار ظاهرة الجريمة يؤول إلى “أسباب اقتصادية واجتماعية”، في حين ذهبت نسبة 7.92% إلى أن سبب الجريمة ناجم عن تأثير “وسائل الإعلام”، أما الذين لم يدلوا برأي فلم تتعد نسبتهم 0.99%.

يتضح أن موضوع الجريمة في المغرب، موضوع شائك ومعقد ومتشعب، تختلط به السياسة بالأخلاق بالمرجعية والهوية بالتفكك الأسري، وتحول القيم على مستوى الأسرة والمجتمع، بالاقتصاد بالتعليم بالقضاء بتجارة المخدرات بالبطالة والفقر والجهل بالفساد الإداري…

لكن الذي يتحمل المسؤولية في تقديري ثلاث جهات:

الدولة التي تهاونت في وضع استراتيجية متكاملة، لمحاربة الظاهرة، تبدأ من التعليم والإعلام، وتمر عبر الرفع من القيم والأخلاق، وإصلاح الإدارة، إلى التنمية الاقتصادية والحد من البطالة.

الجمعيات المدنية والحقوقية، التي أغفلت هذه المجالات، وأصبحت تهتم بالمواضيع التي تثير الجدل على المستوى الإعلامي، أو المواضيع التي تدر عليها الدعم الأجنبي، بحيث أن قضية كحقوق المثليين مثلا أو قبلة في مكان ما أو لبس تنورة، تستنفر الجمعيات الحقوقيات والشخصيات المعروفة، للسفر والتنقل والإدلاء بالتصريحات وحشد الجماهير والنزول إلى الشارع، لكن قضية تتعلق بأرواح المواطنين الأبرياء، والحق في الحياة حق مقدس، لا نسمع فيها صوتا لهؤلاء، لأنه لا يوجد من يتبناها أو يدعمها، ولا توجد جهة تمولها أو تعقد شراكة باسمها، ولا تدخل في مخططات تغيير البنية الثقافية والفكرية والعقدية للمجتمع مثل تلك القضايا التي يسيل لها لعاب الجهات المانحة والداعمة.

المجتمع الذي أصبح يطبع مع أنواع الجريمة والعنف، أو يقف منها موقف المتفرج أو المتجاهل، وكم من جريمة وقعت جهارا نهارا، على مرأى ومسمع الناس، ولو تدخلوا لمنعوها، كجريمة القرية التي ذهب ضحيتها شاب في مقتبل العمر، ذبح كما تذبح الخراف أما المارة، لقد فقد المجتمع قيم الشهامة والتضامن، التي كانت صمام أمان يحول دون هذا التوحش الذي أصبحنا نعيشه.

إن مشاهد العنف والجريمة المتزايدة، من اغتصاب وكريساج وقتل وتداول للمخدرات وتحرش…، وطريقة التعاطي معها مؤسساتيا وجمعويا وشعبيا، لا تنبئ إلا بمزيد من تفاقمها وتطورها، فلا يبدو في الأفق أي مؤشر لعلاجها أو الحد منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *