مشروع الشرق الأوسط الكبير (الجديد)

كانت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس المبشر الأشهر لمشروع الشرق الأوسط الكبير ومصطلح (الفوضى الخلاقة). لقد أصبح لدى الإدارة الأمريكية يقين بأن نشر الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هي الترياق المضاد للإرهاب، وأن العالم العربي يعيش أوضاعا شبيهة بدول أوروبا الشرقية سابقا، وبموجب هذه المقارنة فالحرب مع العالم الإسلامي ليست حربا عسكرية، بل حرب أفكار في المقام الأول، ونشر قيم الحرية والديمقراطية الغربية هو من سيستأصل ما يعتبرونه تربة منتجة للإرهاب والتطرف والعنف.

دونالد رمسفيلد هو أول من دعا إلى شن حرب الأفكار في مقابلته مع صحيفة واشنطن تايمز في أكتوبر 2002م، حيث ذكر أن المعركة الأساسية مع الإرهاب هي حرب أفكار وليس حربا عسكرية، ودعا رامسفيلد لإنشاء جهاز متخصص يتولى شن هذه الحرب، وفي غشت 2003 كررت رايس الحديث نفسه في خطاب ألقته أمام المعهد الأمريكي للسلام،

فكرة استحداث كيان شرق أوسطي بديلا عن العالم العربي والإسلامي ليمكن من خلاله إدماج وتطبيع دولة الصهاينة في المنطقة فكرة ليست جديدة ظهرت بعد 2001م؛ فوفق الدراسة التي أعدها الدكتور وليد الهويريني بعنوان: (خارطة الدم؛ هل بدأ العم سام في تقسيم أرض الإسلام؟) فقد سبق طرح الفكرة من قبل الرئيس الصهيوني «شيمون بيريز» عام 1993م في كتابه الشرق الأوسط الجديد، حيث دعا لفكرة شرق أوسط جديد قائم على التنمية والرفاه كم يزعم، وتبنى فيه العلاقات بين الدول بناء تعاقديا قائم على المصالح المادية فحسب وبهذا يمكن تحييد الهوية الدينية والثقافية من تعامل الدول العربية مع الصهاينة.
ويرى «شمعون» أن تحول الشرق الأوسط لما يسميه السلام والأمن والازدهار لن يتم بسحر ساحر أو بلمسة ديبلوماسية، فتوفير السلام والأمن يقتضي «ثورة في المفاهيم»، إن حدود الشرق الأوسط جغرافيا في نظر الأمريكان هي حدود العالم الإسلامي من إسلام أباد إلى نواكشط، باستثناء «إسرائيل» التي يدخلونها ضمن هذا المصطلح بطبيعة الحال.
(من أكبر الأهداف العملية للمشروع ذوبان المنطقة العربية بهمومها وقضاياها في براح شاسع جغرافيا متنوع ومتفاوت في هويته الثقافية والسياسية والاجتماعية، بحيث تتوه هوية العرب وقضاياهم الملحة والمزمنة وسط هذا الخضم الهائل الاتساع، كمحيط يضمه ضمن ما يضم من شعوب وأمم، وقضايا وأزمات ومشكلات).
لقد ظهر المصطلح بشكل فاعل عندما تبناه الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن بعد ضربات 11 سبتمبر، وكانت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس المبشر الأشهر لمشروع الشرق الأوسط الكبير ومصطلح (الفوضى الخلاقة). لقد أصبح لدى الإدارة الأمريكية يقين بأن نشر الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هي الترياق المضاد للإرهاب، وأن العالم العربي يعيش أوضاعا شبيهة بدول أوروبا الشرقية سابقا، وبموجب هذه المقارنة فالحرب مع العالم الإسلامي ليست حربا عسكرية، بل حرب أفكار في المقام الأول، ونشر قيم الحرية والديمقراطية الغربية هو من سيستأصل ما يعتبرونه تربة منتجة للإرهاب والتطرف والعنف.
وكان دونالد رمسفيلد هو أول من دعا إلى شن حرب الأفكار في مقابلته مع صحيفة واشنطن تايمز في أكتوبر 2002م، حيث ذكر أن المعركة الأساسية مع الإرهاب هي حرب أفكار وليس حربا عسكرية، ودعا رامسفيلد لإنشاء جهاز متخصص يتولى شن هذه الحرب، وفي غشت 2003 كررت رايس الحديث نفسه في خطاب ألقته أمام المعهد الأمريكي للسلام، حيث قالت: «إن المهمة الأساسية للولايات المتحدة في المرحلة القادمة تتمثل في تكرار النجاح في الحرب الباردة عبر شن حرب الأفكار، ونشر فكر الحياة مقابل فكر الموت، والترويج للقيم الأمريكية والدفاع عنها».
وفي نونبر 2003 أدلى الرئيس جورج بوش الصغير بأول اعتراف أمريكي علني عندما ذكر بأن الولايات المتحدة ظلت تدعم الديكتاتوريات في الشرق الأوسط لأكثر من 60 عاما، وأن تلك السياسة لم تجلب لأمريكا الأمن أو تخدم مصالحها، وأعلن بوش تخليه عنها وتبنيه لسياسة جديدة قوامها نشر الديمقراطية.
وفي فبراير 2004 قدم الرئيس بوش إلى مجموعة الثمانية (G8) مبادرة مشروع الشرق الأوسط الكبير، ونشرت صحيفة الحياة اللندنية في 13 فبراير 2004 نص المشروع، ففي المقدمة تحذر الورقة من اقتراب الشرق الأوسط من الانفجار بسبب التدهور الاقتصادي والاستبداد السياسي وخطورة ذلك على الغرب ومصالحه في المنطقة، وتلخص الورقة إصلاح النواقص التي حددتها تقارير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية العربية عبر محاوير ثلاثة:
– تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.
– بناء مجتمع معرفي.
– توسيع الفرص الاقتصادية.
وتقول ورقة المشروع ما نصه: (فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق فيه التنمية).
ولعل من نافلة القول لمن خبر السياسة الأمريكية أن يدرك أن هذه شعارات يراد تحقيقها بحسب الفهم الغربي لها، وفي باطنها الأهداف الحقيقية للمشروع، والتي يمكن إيجاز أبرزها في ثلاث نقاط:
– الأول: إعادة تشكيل وترتيب أوضاع المنطقة لتقبل النموذج الليبرالي عبر الديمقراطية الغربية.
– الثاني: تهيئة المنطقة للعولمة، وهيمنة الشركات الأمريكية والأوربية العابرة للقارات على اقتصاد المنطقة.
– الثالث: دمج وتطبيع دولة الصهاينة مع العالم العربي في كيان شرق أوسطي.
فالحديث الغربي عن نشر الديمقراطية والحريات في العالم العربي لا يعدو أن يكون سوى أداة لتحقيق الأطماع الاستعمارية الجديدة، ولهذا فهي تخضع في حجم توظيفها للأجندة الغربية، فالغرب عندما أراد الانقضاض على النفط الليبي قام بتوظيف شعارات الديمقراطية للتدخل العسكري في ليبيا وإسقاط القذافي، ولكنه الغرب نفسه لا يريد التدخل في سوريا من أجل الحريات والديمقراطية بعد قتل أكثر من 130.000 سوري وتشريد الملايين، فالمصلحة الغربية الاستعمارية لم تكن مع نشر الحريات، فتم وضعها في الأدراج مع تزويد كافة الأطراف المتحاربة بالسلاح بما يتيح تدمير سوريا -وهي إحدى دول الطوق- والتمهيد لتقسيمها، وهو الهدف الاستراتيجي.
ولو دققنا النظر في الأحداث التي يعيشها العالم الإسلامي منذ 11 شتنبر –لاسيما بعد الثورات- يدرك أن المخطط وإن تعثر في بعض محطاته إلا أنه يجري إجمالا كما خطط له.
ربما ظن البعض أن هذا مشروع الشرق الأوسط الكبير خاص بحكومة الرئيس بوش الصغير، وبالتالي فهذا المشروع انتهى برحيلها، ولا ينبغي الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه.
ويجيب د. سعيد اللاوندي أستاذ الفلسفة السياسية والخبير بمركز الأهرام الاستراتيجي قائلا:
(في التاريخ السياسي للقوى العظمى.. من الصعب الحديث عن تغيير في السياسات والاستراتيجيات إذا ما تغير أشخاص الحكام، ليس فقط لأن المؤسسات -وليس الأشخاص- هي التي تصنع السياسات وتضع الخطط والرؤى والتصورات، ولكن أيضا لأن القوى الكبرى –بكم قدراتها وطموحاتها- لا تملك رفاهية التغيير السريع، خصوصا إذا ما كان الأمر متعلق بهيبة ومكانة دولة عظمى، ترى نفسها سيدة العالم و(رمانة الميزان) في النظام الدولي المعاصر (كما هو الحال في أمريكا).
ورغم أن الرئيس الأمريكي بوش وإداراته المعروفة بإدارة المحافظين الجدد هي المهندس الفعلي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، فإن المشروع لايزال قائما ومستمرا.. فالقوة الباطشة والتهديد والوعيد كانت أسلحة بوش الإبن، في حين أن (القوة الناعمة) ولغة الديبلوماسية (التي لا تخلو من حزم وحسم) هي أدوات الرئيس باراك أوباما، لكن يبقى مشروع الشرق الأوسط الكبير هو الهدف والغاية لدى الإدارتين)اهـ.
ويقول: (يبقى أخيرا أن نعترف -اعتراف الشجعان!- بأن أمريكا وإسرائيل قد اتفقتا معا على تغيير ملامح منطقة الشرق الأوسط، إما بالقوة العسكرية، أو بالتخويف والوعيد، أو بالإقناع والمشاركة، أو حتى بالفوضى)اهـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *