لا يمكن الحديث عن خطة الحكومة الحالية لإصلاح التعليم، دون عرض ما يقوله الوزير المعني بالقطاع (شكيب بنموسى) في هذا الباب. إذ قال في ندوة صحفية منتصف هذه السنة أن الرؤية الاستراتيجية التي وضعتها الوزارة لإصلاح التعليم، لها ثلاث أهداف مهمة، وهي أولا تؤكد على كيفية تحقيق إلزامية التعليم من 14 سنة إلى 16 سنة.
مضيفا، أن الهدف الثاني لهذه الرؤية الاستراتيجية، هو كيف يمكن ضمان اكتساب تعلمات بالجودة الكافية، وكيف يمكن للمدرسة أن تلعب دورها في تكوين المواطنين من أجل مواجهة إكراهات العالم.
وأوضح بنموسى، أن الوزارة تعمل على تجسيد هدف الجودة، من خلال تركيز تدخلاتها على تحسين مؤشرين جوهريين اثنين، يتعلقان بالتقليص من الهدر المدرسي من جهة، وبتعزيز التمكن من التعلمات والكفايات الأساس وتحسين المكتسبات الدراسية من جهة ثانية.
مسجلا، أن خارطة الطريق 2022-2026 تندرج في إطار الاستمرارية للإصلاح التربوي، وتتأسس على مبدأ جوهري يقوم على ترتيب الأولويات وتوجيه جهود مختلف الفاعلين والشركاء صوب العوامل الأكثر تأثيرا في تحكم التلميذات والتلاميذ في التعلمات والكفايات المطلوبة، لأن هذه الأخيرة هي المقياس العملي والفعلي لجودة المنظومة التربوية.
لا يمكن لكل دارس إلا أن يصفق بحرارة لتطلعات الوزير، لكن يؤكد الجميع أن المغاربة سئموا في كل ولاية حكومية تكرار نفس التطلعات ونفس الآمال دون مباشرة الإصلاحات وتبديد المصاعب والمشاكل بهذا القطاع المصيري.
أيضا ما يعاب على بنموسى أنه ما سماه بـ”المشاورات الوطنِية لتجويد المدرسة”، وذلك تحت شعار: “تعليم ذو جودة للجميع”، وحددت لها غاية هي “إرساء خارطة طريق تتضمن تدابير محددة وملموسة من أَجل بلوغ مدرسة الجودة والانفتاح وتكافؤ الفرص”، والمتتبع لسلسلة الإصلاحات والرؤى والإستراتيجيات التي تباناها وزراء التربية الوطنية سابقا سيجدها تتفق في تشخيص واقع التعليم بالمغرب، وتُجمع جميعها إن لم نقل كلها على أن التعليم بالمغرب معطوب ويحتاج إلى هزة كبيرة وحلول واقعية وليس البدء من الصفر أي من الشخيص وتضييع الوقت في المشاورات والدخول في الدوامة الفارغة لإصلاح الإصلاح، إلى ما لا نهاية، كما قال جلالة الملك محمد السادس.
إن إطلاق وزارة التربية الوطنية لمشاورات جديدة حول المدرسة المغربية، هو تكريس لنفس المسارات السابقة، مُلفتا إلى أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تعيش منظومة التربية والتكوين مثل هذه المبادرات. إلى أن منتديات الإصلاح سابقا ومشاورات حول قضايا المنظومة والميثاق الوطني للتربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، والقانون الإطار، كل هذه المُخرجات، نتيجة للمشاورات والحوارات أيضا.
قضية النقاش والحوار والتشاور حول قضايا المنظومة في المغرب أصبحت متجاوزة لأن التشخيص موجود، مبينا أن تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين موجودة ومتوفرة وترصد كل الأعطاب و”وصفات” الإصلاح متوفرة والرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم حددت مداخل الإصلاح وأولياته وغاياته وطرقه، وحظيت بتوافق واسع من قبل كافة الفاعلين، وأكثر من ذلك تحولت هذه الرؤي إلى قانون ملزم وهو القانون الإطار رقم 51.17 الذي يُحدد كل مداخل وقضايا الإصلاح التي ينبغي الإنكباب عليها.
لكي يكون لموقفي أساس علمي لابد أن أنقل كلام الخبراء والمتابعين للشأن التربوي بالمملكة. وفي هذا الصدد، يقول الخبير التربوي، حسن عديلي، أن وزارة التربية الوطنية بهذه الخطوة “تكون قد وقعت في الخطأ وتُكرر نفس التجارب السابقة”، مضيفا “ربما أخشى أننا قد نعيش أو قد نرتكب نفس المحظور الذي نبه إليه جلالة الملك حينما دعا إلى القطع مع سياسة الإصلاح وإصلاح الإصلاح، التي لا تنتهي”.
هذا وبيّن أن إقرار القانون الإطار في يوليوز 2019 شكل مرحلة جديدة في مسار اصلاح منظومة التربية والتكوين ببلدنا، مؤكدا أنه كان على الوزارة اليوم أن تنكب على تفعيل مقتضيات هذا القانون، وهي مقتضيات مهمة جدا بحسبه، لأنها تمس كل جوانب المنظومة، مضيفا أنه كان على الوزارة أن تسارع الى إخراج المخطط التشريعي والتنظيمي لتفعيل القانون الإطار، وكان عليها أن تنكب أيضا على إنجاح المشاريع المنبثقة منه.
كما كان على الوزارة المكلفة، يضيف عديلي، أن تشتغل على القضايا المرتبطة بحكامة المنظومة، وأن تُعيد الإعتبار للمدرسة العمومية كمرفق عمومي من خلال إقرار آليات واضحة للحكامة لحكامة المنظومة، وللتقويم والإشهاد وللمناهج والبرامج، وكل ذلك مسطر ومنصوص عليه في القانون الإطار يؤكد المتحدث.
وتابع، “لذلك أخشى أن يكون هذا المسار الجديد فيه هدر لزمن الإصلاح وفيه وقوع في نفس الخطأ الذي طالما ارتكب بتعاقب الحكومات”، مضيفا “هذا الأمر ينذر بأننا ندور في حركة مُفرغة في الوقت الذي اعتقدنا أن إقرار القانون الإطار شكل مرحلة حاسمة للانطلاق نحو المستقبل وفق مرجعية قانونية واضحة ومتوافق حولها وملزمة للجميع”.
الخلاصة، أن قطاع التعليم بالمغرب لا يمكن أن حقق أهدافه دون عملية جراحية “مستعجلة” تنتهي بسرعة ويتماثل فيها القطاع للشفاء بسرعة أكبر. لأن التأخر في تحقيق ذلك ينتج كوارث اجتماعية لا تحد عواقبها في الشارع. بحيث لما نرى الجانحين يخربون أو ينهبون أو لما نلمح المنحرفين و”المشرملين” لا يمكن أن نحمل المسؤولية إلا لمن ساهم في تأخير إصلاح قطاع التعليم الذي يأوي ويربي فئات واسعة من المجتمع المغربي. إذن بنموسى لا يمكن أن “يضيع الوقت” في التشخيص أو في المشاورات بل لابد أن ينتقل للإصلاح والمعالجة الحاسمة للملفات الشائكة بالقطاع.