في البداية لابد من ذكر سياق دراسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول “المبررات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات”، إذ جاءت في وقت تتزايد مطالب الجمعيات الحقوقية بإلغاء الفصل السادس عشر من مدونة الأسرة، الذي يعطي صلاحية تقديرية لتزويج القاصرين، بمقرر قضائي يحدد المصلحة الفضلى للطفل، أيضا في ظل مطالب حقوقية بتجريم زواج القاصرات.
وجاء في توصيات الدراسة التي قدمتها، آمنة بوعياش، رئيسة المجلس، ولويس مورا، الممثل المقيم لمكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، ضرورة تثبيت الفصل 19 الذي يجعل سن الزواج محددا في 18 سنة وإلغاء الاستثناء الذي يبيح تزويج الأطفال؛ وتجريـم تزويـج الأطفال بشـكل غير قانوني والوسـاطة في ذلـك باعتبارها صورة من صور المشـاركة في هذه الجريمة. أيضا، رفع سن إلزامية التعليم إلى 18 سنة وتوفير الرعاية المواكبة للطفلات والأطفال قصد تمكينهم من فعلية الحق في التعليم؛ مع المراجعـة الشـاملة لمدونـة الأسـرة والقانـون الجنائـي وقانونـي المسـطرة المدنيـة والجنائيـة والتنظيـم القضائـي وباقـي القوانيـن ذات الصلـة بمـا يكفـل تحقيـق الملاءمـة مـع الاتفاقيـات الدوليـة المصـادق عليهـا.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن موضوع زواج القاصرات يظل من المواضيع التي تقتضي إجماع الأمة، لا فرض رأي واحد على الجميع، وهذا الإجماع المقصود لا يتأتى إلا بفتح نقاش عمومي رصين، يضع بين عينيه مرجعيات ثابتة، أبرزها المفهوم الواضح للزواج في المرجعية الإسلامية، والذي يبتغي تأسيس أسرة تربي الأبناء وتصنع الأجيال المرتبطة بقيمها ووطنها. كذلك مصلحة الأبناء التي تتجلى في حقهم في المدرسة والعيش الكريم، وبهذه المرجعيات أكيد سنسن القوانين المفيدة للأسر والأبناء والمجتمع ككل.
والدراسة التي نحن بصدد قراءتها، قدمت بعض المبررات المعتمدة من قبل القضاة لمنح الإذن بتزويج الطفلة القاصر، والتي من أبرزها، منح الإذن بتزويج الطفلة القاصر خوفا عليها من “الوقوع في علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة لزواج”؛ وعدد من الطلبات المقدمة إلى المحاكم للحصول على إذن بتزويج الطفلات تعتمد على مبررات من قبيل “تزويج الطفلة مراعاة للتقاليد والأعراف. أيضا، تزويجها لبلوغها «سن الزواج» الواقعي وليس القانوني، وتزويجها بسبب عدم التمدرس أو الهدر المدرسي، وبعض طلبات تزويج الطفلات كانت لضحايا اغتصاب، أو تغرير أو علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج، أو حمل غير مرغوب فيه.
وجهة نظر أخرى مصاحبة لهذا النقاش، يوردها عدد من الفاعلين الاجتماعيين، الذين يعيشون في الواقع مع هذه الحالات، إذ يؤكدون أن تزويج القاصرات، يظل موضوعا نسبيا تتداخل فيه عدة حيثيات وتفاصيل، أبرزها الواقع الاجتماعي الذي لا يرتفع، لعدد من القاصرات اللواتي يطلبن الزواج. أيضا قدرتهن على الزواج من الناحية الفزيولوجية بعد بلوغ سن 16 سنة. ما يشجع القاضي على منح الإذن بالزواج لهن.
في مقابل هذا الوضع، يعرض هؤلاء الفاعلون الاجتماعيون، الواقع المرير الذي تعيشه تلك القاصرات لما يعرقل زواجهن، اذ يضطررن للخروج من منزل ذويهم للشارع، ليجدن أمامهن جحيما لا يطاق، يبدأ بالدعارة وينتهي بالسجن أو الانتحار أو ما شابه.
آمنة بوعياش، في تقديمها لهذه الدراسة، صرحت بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، سيعمل بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، على تحليل الإشكاليات الواردة في الدراسة المنجزة حول المبررات القضائية المعتمدة لتزويج القاصرات، في ضوء التحولات التي يعيشها المجتمع المغربي على جميع المستويات، من أجل الخلوص إلى وضع مفهوم دقيق للمصلحة الفضلى للطفل.
فيما قال لويس موغا، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، إن “تزويج القاصرات ليس فقط عنفا قائما على النوع الاجتماعي، بل يعتبر أيضا مشكلا كبيرا للصحة العامة”، مضيفا أن هذا “النوع من الزواج لا ينتهك فقط حقوق الطفلات المتزوجات، بل أيضا حقوق أطفالهن”.
هذه التصريحات، يرى فيها عدد من الباحثين، أن مؤسسات الغرب الحقوقية، لا ترى في مجتمعاتنا إلا مصالحها السياسية والاقتصادية، ومن ثمة لا تجد إلا الملفات التي تدعي أنها حقوقية، لخلق ما يسمى بـ”مساحات الضغط السياسي” على الدول النامية، لمزيد من الاختراق والربح. إذ يتساءل هؤلاء الباحثون، عن حقيقة الخلفية الأخلاقية الغيورة على القاصرات في المغرب، وفي نفس الوقت لا تتحرك هذه الخلفية في حالات مثل سوريا والصومال والعراق، إذ يموت الأطفال بالمجاعات والحروب، بينما الغرب ينهب ويقف متفرجا على هذه المآسي.