حقيقة الشرك وأنواعه

معنى الشرك في اللغة:

“تقول شَركته في الأمر أشركه شركا وشركة بفتح الأول وكسر الثاني فيهما، ويخففان بكسر الأول وسكون الثاني؛ وذلك إذا صرتُ له شريكا وأشركته، جعلته شريكا، قال تعالى: {وأشركه في أمري}[طه الآية: 22]. أي اجعله شريكي فيه، وشركت بينهما في المال تشريكا واشتركنا وتشاركنا في الشيء قال الجعدي:
وشاركنا قريشا في تقاها وفي أحسابها شرك العنان
والعنان سَيرا اللجام المعترضان عن يمين عنق الدابة وشمالها، يكنى به عن المساواة.
.. هذا تلخيص كلام الجوهري في “صحاحه”، والفيومي في “مصباحه”.
وقال الراغب الأصفهاني في مفرداته: “الشركة المشاركة؛ خلط الملكين، وقيل: هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا، عينا كان ذلك الشيء أو معنى؛ كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية، ومشاركة فرس وفرس في الكمته والدهمة”. وعبارة الراغب الثانية في شرح الشركة أعم من الأولى، لأن كون الشيء لاثنين يشمل ما كان لهما ملكا كالمال، أو وصفا كالبياض والكمتة، أو جزء ذاتيا كالحيوانية.
ومرجع مادة الشرك إلى الخلط والضم.. م اجتماع شركاء في شيء لا يقتضي تساوي أنصبائهم منه، ولا يمنع زيادة قسط على آخر. فموسى يسأل ربه إشراك أخيه له في الرسالة، وقد أجيب سؤاله لقوله تعالى: {قد أوتيت سؤلك يا موسى}[صه: 36]، وضروري أن حظ هارون من الرسالة دون حظ موسى، لهذا تقول فلان شريك لغيره في دار أو أرض أو بضاعة، ولو لم يكن له منها إلا معشار العشر، بل الأجير على جزء من الربح كالخماس، وعمال القراض شريك لرب المال، من غير أن يكون له حظ من الأصل، هذا في الحسيات. ومثله في المعنويات تقول: الأبوان شريكان في طاعة ابنهما لهما، وإن كان حق الأم في الطاعة أقوى. وتقول أبنائي شركاء في محبتي، وأنت تحب بعضهم أشد من بعض.
هذا تقرير معنى الشرك لغة.
معنى الشرك في الشرع:
أما في الشرع فقد فسره صاحبا الصحاح والمصباح بالكفر، وجعله الراغب على ضربين فقال: “أحدهما الشرك العظيم، وهو “إثبات شريك لله تعالى يقال: أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر قال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}[النساء: 116]، وقال: {ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا}[النساء: 116] و{من يشرك باله فقد حرم الله عليه الجنة}[المائدة: 72] {يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا}[الممتحنة: 12] وقال: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا}[الأنعام: 148]”
“والثاني: الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور؛ وهو الرياء والنفاق المشار إليه بقوله: {شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}[الأعراف: 190] {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}[يوسف: 106]، وقال بعضهم: معنى قوله: {إلا وهم مشركون} [يوسف: 106]؛ أي واقعون في شرك الدنيا، أي حبالتها.
قال ومن هذا ما قال صلى الله عليه وسلم: “الشرك في هذه الأمة، أخفى من دبيب النمل على الصفا”. قال: ولفظ الشرك، من الألفاظ المشتركة. وقوله: {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110] محمول على الشركين. وقوله: {فاقتلوا المشركين} [التوبة:5]، فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفار جميعا”.
هذا كلام الراغب، وقد اشتمل على آيات في استعمال القرآن لمادة الشرك بالمعنى الشرعي، وهو تصفح عن موافقتها لأصل المعنى اللغوي سنة الحقائق الشرعية في انبنائها على الحقائق اللغوية.
وبيان الشرك بالكفر تساهل في المعنى، قربه اتحادهما في الحكم، وقد فرق بينهما أبو هلال العسكري، في كتابه الفروق اللغوية (ص:89)، فقال: “الكفر اسم يقع على ضروب من الذنوب فمنها الشرك بالله، ومنها الجحد للنبوة، ومنها استحلال ما حرم الله، وهو راجع إلى جحد النبوة، وغير ذلك مما يطول الكلام فيه، وأصله التغطية” ثم قال: “الفرق بين الكفر والشرك، أن الكفر خصال كثيرة على ما ذكرنا. وكل خصلة منها تضاد خصلة من الإيمان، لأن العبد إذا فعل خصلة من الكفر، فقد ضيع خصلة من الإيمان. والشرك خصلة واحدة؛ وهو إيجاد ألوهية مع الله أو دون الله. واشتقاقه ينبئ عن هذا المعنى. ثم كثر حتى قيل لكل كفر شرك على وجه التعظيم له والمبالغة في صفته، وأصله كفر النعمة، ونقيضه الشكر، ونقيض الكفر بالله الإيمان، وإنما قيل لمضيع الإيمان كافر لتضييعه حقوق الله تعالى، وما يجب عليه من شكر نعمه، فهو بمنزلة الكافر لها. ونقيض الشرك في الحقيقة والإخلاص، ثم لما استعمل في كل كفر صار نقيضه الإيمان”(ص:91).
ومحصل كلام أبي هلال؛ أن الشرك والكفر مختلفان في الأصل، متحدان في استعمال الشرع، فهما كالإسلام والإيمان. واستعمال الكفر في التغطية شائع في لسان العرب، قال لبيد في معلقته:
في ليلة كفر النجوم غمامها” .
أقسامه:
جرى علماء المالكية وغيرهم على تقسيم الشرك إلى قسمين:
1 الشرك الأكبر: وهو عبادة غير الله.
2 الشرك الأصغر: وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور؛ وعلى رأسه: الرياء.
قال القرطبي: “أصل الشرك المحرم؛ اعتقاد شريك لله تعالى في إلهيته، وهو الشرك الأعظم، وهو شرك الجاهلية… ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل…” ثم قال: “..ويلي هذا في الرتبة الإشراك في العبادة، وهو الرياء”. (انظر المفهم 6/615).
وفي موضع آخر قال: “المخلص في عباداته هو الذي يخلصها من شوائب الشرك والرياء، وذلك لا يتأتي له إلا بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله تعالى وابتغاء ما عنده، فأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أعراض الدنيا فلا يكون عبادة، بل يكون مصيبة موبقة لصاحبها، فإما كفر -وهو الشرك الأكبر- وإما رياء -وهو الشرك الأصغر-“. (المفهم 3/742).
ونقل قول القرطبي أبو العباس هذا القرطبي أبو عبد الله في بيانه أقسام الشرك. (انظر تفسير القرطبي 5/181).
وصرح بهذين القسمين أيضا ابن جُزي الكلبي، حيث يقول عند قوله تعالى: {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له}: “أي: لا أريد بأعمالي غير الله، فيكون نفيا للشرك الأصغر وهو الرياء، ويحتمل أن يريد: لا أعبد غير الله، فيكون نفيا للشرك الأكبر”اهـ (التسهيل 2/50).
ومن الشرك الأصغر؛ الحلف بغير الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من حلف بغير الله فقد أشرك” [رواه الترمذي وصححه].
ومنه: التطير والتشاؤم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك..” [رواه أحمد وصححه الألباني].
ومنه: سب الدهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقل أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر”. رواه مالك في باب ما يكره من الكلام.
قال ابن عبد البر: “والمعنى فيه أن أهل الجاهلية كانوا يذمون الدهر في أشعارهم وأخبارهم ويضيفون إليه كل ما يصنعه الله بهم؛ وقد حكى الله عنهم قولهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} فنهى الله عن قولهم ذلك ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أيضا بقوله: “لا تسبوا الدهر” يعني لأنكم إذا سببتموه وذممتموه لما يصيبكم فيه من المحن والآفات والمصائب وقع السب والذم على الله لأنه الفاعل ذلك وحده لا شريك له؛ وهذا ما لا يسع أحدا جهله والوقوف على معناه لما يتعلق به الدهرية أهل التعطيل والإلحاد. وقد نطق القرآن وصحت السنة بما ذكرنا وذلك أن العرب كان من شأنها ذم الدهر عندما ينزل بها من المكاره فيقولون أصابتنا قوارع الدهر وأبادنا الدهر وأتى علينا الدهر”اهـ .
ومنه: التبرك الممنوع؛ لما رواه الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مرَّ بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط. فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سبحان الله هذا كما قال قوم موسى (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)، والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم”.
وليعلم أن وصف هذا الشرك بالأصغر؛ إنما هو من جهة مقابلته بالأكبر؛ وإلا فهو -في حد ذاته- كبير وخطير؛ وقد ذهب بعض المحققين أنه لا يغفر من غير توبة؛ لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}.
ويمكن تقسيم الشرك من جهة متعلقه إلى: شرك في الربوبية وشرك في الألوهية وشرك في الأسماء والصفات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *