لماذا اخترنا الملف؟

من لطف الله تعالى بعباده، ورحمته السابغة وجُودِه أنْ خصّ لنا من المساجد والأمكنة الأماجد ما تضاعف فيه الحسنات، وتكفّر بالخطا إليه السيئات، ومسجدنا الأقصى المبارك من تلكم الأصقاع، تشد إليه الرحال، وتضاعف فيه الأعمال..
فله في نفوس المسلمين أهميةً خاصةً ومكانةً عظيمةً، يُكنّون له الودّ الشديد، والحب العميق، وما ذلك إلا لتفضيل الله إياه، والله جلّ وعلا طيّب؛ لا يختار من موجوداته تفضيلاً وتشريفاً إلا ما كان شريفاً طيباً مباركاً.
وقضيته هي قضية كل مسلم وكل موحد، كيف لا وقد ذكر في كتاب الله تعالى غير ما مرة، وبارك الله فيه وبارك حوله، وهو أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال، لذا وجب دوما التذكير بمنزلته وفضله وتاريخه، وأن قضيته هي دين وعقيدة، لا مجرد أرض وسياسة، وأن قضيته ليست قضية أهل فلسطين وحدهم كما يدندن العلمانيون بل هي قضية الأمة بأسرها، وكل القضايا المتعلقة بالمسجد الأقصى سواء كانت قضية الحفريات، أو تهويد المسجد الأقصى، أو غيرها من مكائد يهود هي قضايا المسلمين كافة أجمعين.
إن اليهود المتدينين اليوم يسابقون الزمن لإعادة بناء الهيكل، واليهود العلمانيون يستعدون لخلع رداء العلمانية بالمشاركة في إحيائه، ومع هؤلاء وهؤلاء يراهن النصارى بمشاركتهم في هذه المساعي على “تنصير اليهود عندما يجئ هذا المخلص فيفاجئون أي اليهود بأنه هو المسيح عيسى بن مريم -حسب زعمهم-، ولعل هذا يفسر جانباً من احتفائهم بهم واحتضانهم لهم منذ ابتداء هذا القرن وتضاعف ذلك كلما اقترب زمان الألفية الثالثة التي يعتقدون هم أيضا أنها ألفية المسيح وزمان السلام”.
تقول الكاتبة الأمريكية (لي أوبرين): “إن المذاهب اللاهوتية من المسيحيين البروتستانت، تصف إنشاء دولة إسرائيل بأنه تحقيق لنبوءة توراتية، وتعتقد أيضا أن تجمع اليهود في فلسطين مجرد تمهيد لتنصيرهم قبل المجيء الثاني للمسيح. ولهذا فإن أنصار السفارة المسيحية الدولية في القدس يشجعون محاولات تنصير أتباع أي ديانة باستثناء اليهود، إذ إنه من المحرم عليهم التبشير بينهم لأنهم سيؤمنون تلقائيا بالمسيح عندما ينزل”.
وفي اعتقاد النصارى أن المسيح “سينزل في القدس وسيمارس دعوته من الهيكل ولهذا لا بد من مشاركة فعالة في بناء الهيكل الذي سيكون رمزاً لتعانق الديانتين: اليهودية والنصرانية معاً أو بالأحرى اندماجهما معاً”، واليهود يرقبون هذه البلاهة بمكر بل يستثمرونها بذكاء وصبر، وقد قال أحد حاخاماتهم لقسيس نصراني: “إنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية ونحن ننتظر مجيئه للمرة الأولى فلنبدأ أولاً ببناء الهيكل وبعد مجيء المسيح ورؤيته نسعى لحل القضايا المتبقية سوياً”.
فملايين النصارى في العالم يتزايد الاعتقاد بينهم بفعل الجماعات الأصولية النصرانية بأن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام على وشك العودة، وهم يعتقدون أيضا أن الهيكل -الذي يسعون إلى بنائه على أنقاض الأقصى- سيكون منطلقاً لدعوته في المرة الثانية كما كان شأنه في المرة الأولى، فهكذا يفهمون الإنجيل وهكذا يفسرون التوراة التي يؤمنون بها مع الإنجيل.
ولكن يظل أتباع اليهودية هم الجهة المعنية أولاً ببناء الهيكل، فهو عندهم عقيدة وعبادة وتاريخ ووجدان، ولن يفتر حماسهم من أجل إخراجه إلى عالم الوجود بعد أن ظن الناس أنهم أدرجوه في عالم النسيان.
فشعارهم “لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل” ذلكم هو الشعار الذي وضعه أول رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني “دافيد بن غوريون”، لذا ومنذ سنة 1967م وإلى يومنا هذا عملت الحكومة الصهيونية على القيام بعمليات حفريات واسعة تحت الأقصى تهدف إلى تفريغ الأرض تحته وتحت مسجد الصخرة لترك المسجدين قائمين على فراغ، وليكونا بذلك عرضة للانهيار السريع بفعل أي عمل تخريبي أو حتى اهتزاز أرضي.
ولإجلاء الصورة حول هذه المسألة، ولبيان الخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى المبارك، وتهافت الطرح الصهيوني المبرر لاحتلال الأقصى، وهدم المسجد وإعادت بناء هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه، بدعوى أن التوراة هي التي منحتهم الحق في ذلك، ارتأت جريدة السبيل فتح هذا الملف.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *