الخطاب الملكي وتعديل مدونة الأسرة أحمد السالمي

 

بعد خطاب العرش الأخير نصَّب عدد من العلمانيين أنفسهم أوصياء على فهم المغاربة للكلام العربي الذي تعتبر ألفاظه قوالب معانيه، وجمله تحكم سياقه وسباقه، والتي ترشد الفهوم إلى المراد من النص، والكلام الذي يخرج والمغزى منه.

بعد الخطاب الملكي جنح دعاة الفكر العلماني إلى أقصى اليسار بفهم شاذ، مفرغين ألفاظه من معانيها وسياقها، وفقراته وجمله من مغزاها، والمراد منها، والمعنى الذي جاء الخطاب لتأكيده للمغاربة.

وفي ما يعتبر تحميلا للخطاب مالا يحتمل جزم من يعتبر وصيا على فهم المغاربة، أن الخطاب فيه إشارة لتحيين التشريعات الوطنية ومواءمتها مع المواثيق الدولية وإلغاء البنود التي لها علاقة بالإرث وحرية “العلاقات الرضائية” ومنع تعدد الزوجات وغير ذلك من الترهات التي تسير بالمجتمعات إلى الدمار والاندثار.

وبالرجوع إلى الخطاب الملكي يلفت انتباهنا ما جاء في ديباجته، حيث ذكّر الملك شعبه بالبيعة الشرعية التي تقوم على أسس الشريعة الإسلامية بكل ما تحمله من شروط وواجبات متبادلة، وهي إشارة إلى أن ما سيأتي من بعد مبني على شروط البيعة والواجبات المتبادلة بين الحاكم والمحكوم.

وهنا يوصد الخطاب الملكي الباب أمام التفسيرات الشاذة التي تحاول حمل خطابه على غير المراد منه، وعلى كل من يريد اللعب بأوراق المواثيق الدولية، والحقوق الكونية، المخالفة لما جاءت به الشريعة الإسلامية.

كما طمأن الملك رعاياه بأن دعوته لتغيير مدونة الأسرة، ستكون في حدود مقاصد الشريعة الإسلامية وما جاء في نصوصها القطعية، حيث قال بعبارة صريحة لا تقبل التأويل في خطاب العرش: “وبصفتي أميرا للمؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”.

وتأكيدا منه على غلق الباب على الحركات النسوية، وعلى حاملي لواء الجندر، الذين يستغلون مثل هذه الخطابات ويركبون عليها بتأويل خاطئ قد يسبب احتقانا مجتمعيا بين رعايا الملك، أكد عاهل البلاد أن هذه المدونة تهم للرجل والمرأة على حدّ سواء، فهي قانون للأسرة حيث قال: “والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها، فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال”.

وأضاف الخطاب، لمزيد من البيان الإضافي والتأكيد على قطع الطريق على المتطرفين من العلمانيين الذين تسيرهم المنظمات الدولية: “على الجميع أن يفهم، أن تمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أنه سيكون على حساب الرجل؛ ولا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة”.

ومن اللافت في هذا الخطاب أنه بدأ بإشارة شرعية تكرس إسلامية الدولة وليس علمانيتها، حيث ذكر البيعة الشرعية، كما ختم بتنويه ملكي بدفاع المغاربة على مقدساتهم حيث جاء في الخطاب: ” اليوم، لا يسعني إلا أن أعبر لك، شعبي العزيز، عن شكري وتقديري، على ما أبنت عنه في كل الظروف والأحوال، من حب لوطنك وحرص على وحدتك الوطنية والترابية، والتزام بالدفاع عن رموزك ومقدساتك”.

هكذا جعل الخطاب الملكي الفيصل في المدونة لنصوص الشريعة الإسلامية، الأمر الذي جعل كتاب العلمانيين يفقدون السيطرة على أقلامهم، مشوشين، ومحرفين الكلام، وذلك محاولة منهم لتغيير أمر خرج من أيديهم وأصبحت الشريعة الإسلامية هي الحكم فيه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *