“بكوري” “الحانون” “نيني” ثلاثة أثافي غلى عليها قدر الحقد العلماني الأستاذ عبد الغني ادراعو

وقع في إبان هذا الأسبوع ضجة في الصحف الوطنية على “فتوى علمية” صدرت عن شيخ له أهلية الإفتاء بشهادة أهل الاختصاص.
فتهافتت أقلام الصحفيين بالطعن والافتراء، وكَيل التهم. فمن قائل عن صاحب الفتوى: أبو جهل، أبو لهب، جاهل، فقيه ما تحت السرة، فقيه النكاح..
وما عَجَب أن تصدر عنهم هذه الأحكام، فكل إناء بالذي فيه ينضح، وكما يقال في الأمثال المغربية: “كل عطار تيشم من حانوتو”.
ولو كانوا أهل حق، وكان نقدهم نقدا بناء لأقدموا على التحقيق في مسألة الخلاف، ولأشبعوها بحثا.
لما سمعت هذه الضجة قلت: لعل في انتقادهم ما يستفيد منه المرء، فهرعت أقرأ كل ما كتب في سائر الجرائد، فخاب الأمل وللأسف الشديد، فإني لما قرأت كلام هؤلاء فهمت أنهم يتحدثون عن جاهل، ظالم، شهواني، شاذ، أُمِّيّ، إلى غير ذلك من الأوصاف التي لا تليق إلا بكافر أو منافق خسيس، أو علماني خبيث. في حين هذا المتحدَّث عنه هو الشيخ محمد المغراوي، فإن شئت شهادة العلماء فقد شهد له جمع من أهل العلم، وإن شئت شهادة الدولة فإن المتحدَّثَ عنه الذي وصف بتلك الأوصاف القبيحة لعل سائر من كتب عنه من هؤلاء الصحفيين لا يصل إلى درجته، فهو دكتور، وأستاذ جامعي، وشغل منصب التدريس مدة من عمره في التعليم الثانوي والجامعي، وقد حضرته شخصيا يدرس في كلية اللغة العربية بمراكش، وكانت له درجة العمادة، وقد طلبت منه العمادة في الجامعة الإسلامية فاعتذر.
وإن شئت أن تعرف علمه بالمذهب المالكي والمدونة فقد درس الفقه المالكي في صغره، وحفظ فيه المتون المعتمدة، ودرس الفقه المقارن بالجامعة، وله علم أيضا ببقية المذاهب الفقهية، وفوق ذلك كله فإن الرجل له مؤلفات علمية مثل: موسوعة مواقف السلف في عشر مجلدات، وتفسير كبير للقرآن، وغير ذلك.
فهل يا ترى جمع أحد هؤلاء الصحفيين ما جمع هذا الرجل؟ فأين الإنصاف؟ والإنصاف عزيز.
ثم اعلم أيها القارئ الكريم أن مقالات هؤلاء الصحفيين تكاد تكون متطابقة في الألفاظ والمعاني، فما قاله الأول أعاده الآخر بشيء من التقديم أو التأخير، مضيفا عليه شيئا مما يحسنه من السب والاتهام، وكما قيل: “بال حمار فاستبالت أَحْمِرَة”.
وقد ظهر لي إضافة إلى جهل هؤلاء العميق بالإسلام وأحكامه أن أغلبهم -والله أعلم- يبحثون عن الشهرة على حساب الغير.
مراد بكوري
فبداية بالمحامي المغمور الذي رفع الدعوة على الشيخ حمية على القاصرات –زعم، والله من وراء القصد- فأقول: يا سعادة المحامي المغمور ألم تحملك غيرتك على أن ترفع دعوات لا دعوة واحدة ضد “الكازينوهات، ومحلات الرقص، ودور البغاء” التي ما فتئنا نسمع بافتتاح المزيد منها يوما بعد يوم، وما عساه يقع فيها من افتضاض الأبكار، حتى إن بعض المراقص الكبرى في مراكش التي تحمل صبغة عالمية وشراكة ألمانية تغرر بالقاصرات بجعل عروض لهن للدخول مجانا بعد الثانية عشر ليلا، ترى لماذا؟ ليتم تعليمها الرقص على يد معلم بريء ناصح، أو ليتم استغلال جسدها في إشباع هستريا الشهوة. أليس في ذلك أيها “الغيور” (دعوة صريحة على الإضرار بالقاصرين دون الثامنة عشرة، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من جرائم اغتصاب في حق أطفال أبرياء، كما يعد مسا خطيرا بأبسط حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة)؟ أم أن الكلام على هذه الأمور لا يذلل طريق الشهرة بقدر ما هو طريق مشاكل.
ثم لماذا لم ترفع أية دعوة على ما ينشر يوميا في الأحداث المغربية، والاتحاد الاشتراكي، ونيشان، من دعوة إلى الانسلاخ من الدين كليا، ومن سخرية واستهزاء بشعائر الدين، أم لك التوجه نفسه يا ترى؟ أم حب الشهرة يعمي ويصم؟
بوطيب الحانون
ومرورا على المدعو “بوطيب الحانون” في “بيان اليوم” الذي سطر فيه كلاما ينم عن جهله العميق، فإن الإنسان الذي يضع نفسه حاكما على الغير، منتقدا له خصوصا في أمور الدين لا بد أن يكون معه أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزيئات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم. وهذا هو الذي وقع في كلام “الحانون”. فإنه ترك مدار الخلاف ليتحدث بما يكن في صدره من الحقد والغيظ، ومن كيل التهم الجاهزة عنده، وليطعن في عرض صاحب الفتوى بقوله: “هل جرب ذلك بنفسه -يعني ممارسة الجنس مع القاصرات- أم اكتفى بالمعاينة؟”.
وأذكّر “الحانون” إن كان معه دين بقوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.
ثم إن “الحانون” وضع صورته مرفقة بالمقال الآثم لا للشهرة أستغفر الله، فتوسمت وأنا أنظر إلى صورته فرأيته واضعا يده على خده {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} يا “حانون”.
رشيد نيني
ووصولا إلى ثالثة الأثافي “رشيد نيني” وقد كنت نصحته قديما فما انتصح، فها أنذا أعيد الكرة محتسبا الأجر، رافعا عنه حجب الجهل التي حالت دونه ودون الفهم، وقد كنت مازحته قَبْلُ مزاح العقلاء بأن ينزع عنه نظاراته السوداء علّها تزيل عنه الغبش، وقد أزالها لكن لعل الواضح أن عينيه استمرأت الغبش، ورأت أن لا ترى إلا به، ولست فيما أقول مدعيا عليه، ولكن مِن فِيه ندينه، فإنه بعدما ربط ربطا بليدا بين حمل الوزيرة الفرنسية من السفاح وبين الفتوى، اجتر كلام أصدقائه دون إعمال لعقله، ثم أبان عن جهله بإفصاحه عما كان ينتظر من المغراوي مما ذكره وحاصله أن يصبح العالم شرطيا يتابع المخالفات والجرائم في “الكومساريات” كما قال، والمجاهرة بالكلام في الحكام والتشنيع عليهم. و”نيني” بهذا الكلام يرى رأي الخوارج الطائفة الضالة “التكفيريين” الذين طالما شنع عليهم، فقد وقع فيما ينكر عليهم جهلا وعمى ليتضح لك أيها القارئ الكريم أن الرجل ليس على شيء، فهو حاطب ليل فيما يكتب، لا يدري ما يقول.
وإني معلمك يا “نيني” أن نصيحة ولاة الأمور تكون بالمسارة لا بالتشنيع، وقد لام أمثالُك على بعض السلف فقال: “أوكلما نصحتهم أخبرتكم؟”.
وإني أنصحك يا “نيني” بأن تتخلى عن الكتابة في أمور الدين:
فدع عنك الكتابة لست منها *** ولو سودت وجهك بالمداد
وإن أبيت إلا، فلتتريث قبل إصدار الأحكام، ولتجلس لتتعلم دينك بشكل صحيح لتكون لك أذن واعية، وقلم عدل، وعلم؛ واعلم يا “نيني” أن القلم أحد اللسانين، وأن محل القلم من الكاتب كمحل الرمح من الفارس، فإياك وطيش القلم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إشهار السلاح بين المسلمين.
واعلم أن عقول الرجال تحت سن أقلامهم، فلا تكثرن من خط قلمك، فإنك تعرض عقلك على الناس، واحذر أن يُغَرِّر قلمك بمسلم. قال الشاعر:
وبين ثلاث من أنامل كفه *** قضيب به تحيا النفوس وتقتل
وقال آخر:
كذا قضى الله للأقلام مذ بريت *** أن السيوف لها مذ أرهفت خَدَمُ
واعلم أن للناس أقلاما كما لك قلم:
ولأقلامهم زئير مهيب *** يزدري عنده زئير الأسود
لكن يمنعهم ما لا يمنعك: تقوى الله، فهل من مُدَّكِر. وإني لم أطلق عنان القلم، واختصرت قدر الإمكان من الكلم، والحر لا يرضى بالظلم، وقد رأيت ما يُبكي وما حالي إلا كما قال الشاعر:
ما زلت أبكي وفي يدي قلم *** حتى استهلت مدامع القلم
وإنا نشكو إلى الله ظلم الأقلام بأيدي الجهال، وقد جاء في بعض الكتب الأدبية: “قاتل الله القلم الذي يمشي في أيدي الجهال الأغمار، ولا يعلم أنه كجواد يمشي تحت حمار، ولو أنه لا يتطاول إليه إلا أهله لبان الفاضل من الناقص، على أنه كالرمح الذي إذا اعتقله حامله بين الصفين بان به المقدم من الناكص، وقد أصبح اليوم في يد قومٍ هم أحوج من صبيان الكتاب إلى التعليم، وقد قيل: إن الجهل بالجهل داء لا ينتهي إليه سقم السقيم، وهؤلاء لا ذنب لهم، لأنهم لو لم يستخدموا في الدول ويستكتبوا، وإلا ما ظهرت جهالتهم، وفي أمثال العوام: لا تعر الأحمق شيئاً فيظنه له، وكذلك يجري الأمر مع هؤلاء، فإنهم استكتبوا في الدول فظنوا أن الكتابة قد صارت لهم بأمر حق واجب”.
وختاما فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور القلم، والله المستعان.
ولا أراني محتاجا لمناقشة الفتوى لوضوحها واستنادها إلى أدلة صحيحة، وقد قال بها سائر علماء المذاهب، وأستغني عن ذلك بما خطه الغيورون في هذا العدد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *