يرفع العلمانيون عقيرتهم فيزعمون أن التعليم كي يكون ناجحا يجب عليه أن يتمتع بالحرية، حيث يجب أن تُختار قيمه عن اقتناع، أما إذا فُرضت عليه فإنه يتمرد عليها، ويحدث له حينئذ انفصام شخصي، ومفارقة للمجتمع.
والحقيقة أن هؤلاء الناس ليسوا أحرارا في أفكارهم وتوجهاتهم، القوم عبيد لمنظومة علمانية تؤخذ وترضع من لبان العولمة الثقافية، أو ما يسمى الآن بالثقافة الكونية، أو الثقافة الإنسانية التي ليس لها هوية، تجعل الإنسان لا هو مسلم، ولا هو يهودي ولا هو نصراني، ولا هو مجوسي، يعني (دعه يقل، دعه يفعل، دعه يتكلم)، هذه الحرية هي نوع من الحيوانية البهيمية التي تتبع الغرائز والأهواء والأذواق والشهوات، ولا تحكم المنطق والعقل، ولا تحكم ما ينفع الأمة ويقدم الخير لها.
فلو كان هؤلاء الناس حقا أحرارا في أفكارهم، يصدرونها عن ذواتهم واجتهاداتهم، لكان الكلام معهم كلام الرجال مع الرجال، لكن الوضع مختلف.
ولذلك فإننا نقول: إن الذين تأخذهم الغيرة على أوطانهم وعلى لغتهم، وعلى حضارتهم يتكلمون من منطق سليم، ويرون أن الأمة التي تنفق الملايين، وتنفق من دمها على هذه الأرض، وعلى هذه الحضارة، يجب أن تُُحترم مشاعرها وهويتها، فالأمة لا تريد أن تدفع مالا لتحارَب به، تدفع مالا لتسعِّر نارا لتكتوي هي أولا بلظاها، هؤلاء الناس يريدون مجتمعا يرتبط بالأرض، والأمة تريد قوما يرتبطون بالسماء، يرتبطون بالله عز وجل فالأمة التي تختار الدين وتختار الإسلام، هي أمة مسلمة فلماذا يفرض عليها من طرف نخبة علمانية قليلة أن تخرج عن ذاتها وتتنكب صراط ربها؟
العلمانية اليوم قد تتجلى في المغرب عبر صوت الأمازيغية التي تنادي بتعليم اللغة الأمازيغية، والتفكير بالأمازيغية، والكتابة بالأمازيغية ليقولوا للعالم: انظروا.. هؤلاء الناس جذورهم كانت غير إسلامية، يريدون بذلك العودة إلى الحضارة البرغواطية، وفكر الساحرة “جارزيس” يعني الكفرة الذين كانوا يعبدون الأوثان في بلاد المغرب، ولذلك يرفعون هذه الشعارات، ويقولون إن الإسلام دخيل، وإن العرب غزاة، مع أن الإسلام هو الذي صنع المغرب.
إن حرية أي شخص ما تنتهي عندما تبدأ حرية الأمة، وحرية الأمة تتجلى في عقيدتها وفكرها، فهي أولى من حرية الأفراد النشاز الذين هم شرذمة قليلون مقلدون للغرب، ليسوا رجالا مفكرين من الذين يمكن لهم أن ينظروا، أو يقبل قولهم في مثل هذا المجال.
إن الحرية بدون التزام فوضى مقنعة، ودعوة إلى تمزيق الجسد الواحد للأمة التي يمثل كل فرد فيها عضوا منه.