عرف النقاش العمومي بالمغرب تفاعلا خاصا مع موضوع تعديل مدونة الأسرة، وطفت للسطح مقاربتان تناولتا الموضوع وفق مرجعيات خاصة بكل واحدة. إذ جعلت المقاربة الأولى من “الأسرة” المنطلق الأول لكل تعديل، بينما ارتكزت المقاربة الثانية على خطابات غربية جعلت من حقوق المرأة “شماعة” لبث انحرافات قيمية خطيرة على المجتمع المغربي وتماسكه.
لكن الخطاب الملكي لـ30 يوليوز 2022 بمناسبة ذكرى عيد العرش، أكد مركزية الأسرة في المجتمع المغربي، والمنطلقات المرجعية في مقاربة قضاياها ومعالجة مشاكلها ومراجعة اختلالات وسلبيات النصوص التشريعية المؤطرة لها، وذلك عندما تطرق للنهوض بوضعية المرأة والأسرة، ولاسيما مدونة الأسرة التي نبه الخطاب الملكي على أنها “ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال”.
حيث ذكّر أمير المؤمنين بما سبق أن وضعه من قواعد وضوابط للمراجعة بهدف تجاوز الاختلالات والسلبيات قائلا: “وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية”.
لتناول طبيعة الطرح الذي تبسطه الحركة الإسلامية في نقاش تعديل مدونة الأسرة، لابد من حصر دلالة هذه الحركة في المقال. إذ نقصد التنظيمات الإسلامية، خاصة حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان. وفعاليات إسلامية مغربية تشتغل في الفضاء العمومي، سياسيا وإعلاميا ودعويا.
حركة التوحيد والإصلاح، منذ بداية هذا الشهر تابعت نقاش تعديل مدونة الأسرة، بعدد من الندوات والمحاضرات والكتابات مناسبة للإسهام في نقاش هذا الموضوع وتناول هذه القضية المركزية التي ما فتئت الحركة تدلي فيها برأيها وتعبّر عن مواقفها. فقد بذلت الحركة منذ تأسيسها جهوداً تربوية ودعوية متنوعة للعناية بالأسرة والنهوض بأدوارها، تم تتويجها ببلورة مشروع مندمج للأسرة خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهو مشروع تلتقي فيه جهود فاعلين من مختلف المداخل الدعوية والتربوية والعلمية والفكرية وغيرها. وكان من بين مخرجات هذا المشروع تقديم مذكرة ترافعية بعنوان “من أجل سياسة عمومية مندمجة ودامجة للأسرة”، تم تقديمها للسلطات الحكومية المختصة بتاريخ 11 يونيو 2021.
وبالنظر لأهمية الأسرة في المرجعية الإسلامية وفي المقتضيات الدستورية المغربية، ومواكبة للتحولات العميقة التي تعيشها المجتمعات المعاصرة وضمنها المجتمع المغربي، وسعيا للبحث عن الحلول المناسبة لتحيين وتعديل وتطوير مدونة الأسرة ضمانا لاستقرارها وتماسكها وتمكينها من أداء أدوارها النبيلة، فإن التعاطي مع هذا الورش المهم وجب أن يؤطر بعدد من المحددات، بسطتها حركة التوحيد والإصلاح في موقعها الإلكتروني:
اعتماد التشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
اعتماد مقاربة مندمجة تحقق الالتقائية بين مختلف السياسات العمومية والمشاريع الاجتماعية.
اعتماد مقاربة شاملة في معالجة قضايا الأسرة والمرأة، بالتركيز على المشاكل ذات الأولوية والتي تمس الشريحة الأكبر من الأسر المغربية.
على مستوى المضمون، توضح الحركة:
استحضار المنطلقات المرجعية والمقتضيات الشرعية والثوابت الوطنية في أي مقاربة إصلاحية للقوانين المؤطرة والمنظمة لمؤسسة الأسرة، والحرص على أن يتم ذلك “في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح”، وتجنب أي مقتضى من شأنه أن يضعنا في دائرة تحليل الحرام أو تحريم الحلال “لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية” كما ورد في الخطاب الملكي أيضا.
بذل الجهود العلمية الموضوعية للكشف عن الاختلالات والسلبيات الحقيقية لبنود المدونة التي تضر بمؤسسة الأسرة وبوظائفها في استقرار المجتمع وتماسكه وفي التنشئة والتربية، أو تضر بأحد عناصرها؛ امرأة كانت أو رجلا أو أطفالا. والنظر لهذه الإشكالات بتجرد وموضوعية دون التهويل أو التهوين منها.
دمج القيم الأسرية في برامج ومناهج التعليم، وتعزيز قيمة الأسرة في المقررات الدراسية، وتفعيل الأوراش الاجتماعية والعمل على حماية الأسرة في واقع تطور الفوارق الاجتماعية وعجز الأسر عن توفير ظروف عيش تضمن لها الاستقرار وأداء وظائفها الاجتماعية.
أما جماعة العدل والإحسان فلم تقدم رؤيتها لحد الآن ولم تفتح نقاشات توضح طرحها في نقاش تعديل مدونة الأسرة. بل تكتفي الجماعة بالتأكيد على ضرورة الالتزام بالمرجعية الإسلامية، مغلبة الانتظارية دون تفاعل ودون طرح لتشخيص وضعية المرأة والأسرة المغربية.
أما الفعاليات الإسلامية في الفضاء العمومي فتكتفي بالمقالات والمداخلات في الندوات المتخصصة مطالبة بضرورة الالتزام بالمرجعية وعدم الانفتاح على باقي الخطابات الأخرى التي تنهل من الثقافة الغربية.
عموما، الحركة الإسلامية ضعيفة في طرحها ولكن قوية في شعاراتها المرفوعة، إذ تصطف للحدود التي وضعها الخطاب الملكي حول ضرورة الاحتكام للمرجعية الاسلامية في تعديل مدونة الأسرة. في مقابل ذلك لا تقدم الحركة الإسلامية خطابا قانونيا قويا، وخطابا واقعيا يجيب على التحديات الواضحة التي تهدد الأسرة والمرأة والطفل والرجل بالمجتمع المغربي. ولا تقدم أيضا تشخيصا وفهما لظواهر ارتفاع نسب الطلاق والانحراف في صفوف الأسر والأطفال. مكتفية بذكر العموميات التي قيلت أثناء مناهضة خطة الوزير سعيد السعدي.