الدكتور المغراوي وإدارة الأزمة ذ.عبد العزيز لمسلك

في خضم الأحداث الجارية في العالم تبين لكل ذي لب تورط العديد من الجهات المسؤولة في بلدان شتى في فتن مفتعلة كتفجير محطة أو كنيسة أو اغتيال شخصية سامية أو غير ذلك، فيتم إلصاق التهمة بالأبرياء، بدون إثباتات ولا حجج، إلا حججا تعسفية جاهزة كمحاربة الإرهاب أو القضاء على التطرف وهلم جرا.
والقصد من وراء ذلك إرضاء جهات معينة إما خارجية معادية -ماسونية أو صهيونية أو صليبية-، أو داخلية اسئصالية أرادت إحكام قبضتها على زمام الأمور.
ومن هذا الباب الفتنة المفتعلة من طرف جهات عديدة متواطئة لإغلاق دور القرآن الكريم في جميع ربوع المملكة، تحت ذريعة فتوى جواز زواج الصغيرة من قبل الدكتور العلامة محمد بن عبد الرحمن المغراوي. وهي في نظر المنصفين المخالفين للدكتور ذريعة واهية، لا يقبلها عقل، ولا يسلم بها قانون، في بلد ديمقراطي يكفل حق الكلمة والرأي والرأي الآخر، وحظر مصادرة الأفكار ولو كانت شاذة. إلا أن هذا الحق مكفول لأناس دون آخرين.
وكان الواجب أن يشكر الدكتور المغراوي على خدماته العظيمة التي قدمها للبلد، ومنها استتباب الأمن والقضاء على الأفكار الهدامة بالحجة والبيان، وقد بينت بعضها في مقال سابق بعنوان: الدكتور المغراوي بين واجب الشكر وجزاء سِنمّار!
وغرضي من هذا المقال أن أبين كيف أدار الدكتور المغراوي الفتنة المكذوبة بحكمة أبانت عن مكانته العلمية، وحنكته السياسية، مع أن السهام الموجهة له لا عد لها ولا حصر.

السهام الأولى: المنابر الإعلامية على اختلافها
في خضم هذه الفنتة الهوجاء فقدت كثير من المنابر الإعلامية مصداقيتها، وتخلت عن أخلاقيات مهنتها، وعلى رأسها الصدق والأمانة والتثبت. فكان منها الإعلام التابع لجهات سياسية لها مصالحها في ركوب الفتنة، ومساندة مفتعليها، كالقناة الثانية نموذجا، وبعض الصحف والجرائد. ومنها الإعلام الحر الذي غلب عليه -إلا ما ندر- هاجس السبق الصحفي والإثارة، ولو عن طريق لي الكلام، أو التصرف فيه تصرفا محرفا لكلام قائله. المهم في ذلك هو الحصول على الربح المادي والشهرة ولو على حساب الغير.

السهام الثانية: بيان المجلس العلمي الأعلى
تبين للجميع حين صدور بيان المجلس العلمي الأعلى أنه بيان متأثر إلى حد كبير بالهجمة الإعلامية المغرضة، ولم يكن في مستوى الجهة الصادر عنها، حيث قال الدكتور المغراوي عنه: “اطلعت على بلاغ المجلس العلمي الأعلى الذي صدر بتاريخ 20 رمضان 1429هـ الموافق لـ21/9/2008م، فإذا به خال من البسملة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بها مراسلاته وكتبه؛ بل هو مليء بالسب والشتم وكيل التهم خلافا لما ينبغي أن يكون عليه علماء الأمة، فالمفترض فيهم أن تكون بياناتهم بالحكمة متصفة بآداب النبي صلى الله عليه وسلم وآداب القرآن. وقد أمر الله بالعدل مع كل أحد فقال سبحانه: ”ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
وقد آن الأوان لتفنيد ما اتهمني به هذا المجلس الموقر من تهم جانب فيها العدل والإنصاف المأمور به في الكتاب والسنة، ويعلم الله أنني بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب”.
ثم شرع في ردها واحدة واحدة بعلم وأدب أبانا عن مكانة الدكتور، وتبين من خلال الرد التسرع الصادر من المجلس العلمي.
وقد تساءل كثير من المتتبعين عن بيانات المجلس العلمي الأعلى في كثير من قضايا الأمة الكبرى؟ أم أنه ينتظر الإذن لإسقاط جهة معينة أخرى؟ وهذا ما جعل بيانات المجلس الموقر تفقد مصداقيتها عند هؤلاء، خصوصا أنها اتخذت ذريعة لإغلاق دور القرآن. مع أن دور القمار والبغاء والخمور تتزايد وتكثر.

السهام الثالثة: وزير الداخلية الأسبق: شكيب بن موسى
كان قرار إغلاق دور القرآن وصمة عار في جبين المغرب والمغاربة. من باب قول المثل المغربي: “طاحت الصمعة علقو الحجام”، قرار غير مفهومة تبريراته، خصوصا حين تبين للعيان أن ما اتهم به الدكتور لا أساس له من الصحة في الواقع، إذ الواقع نفسه خير شاهد على الأثر الطيب الذي كان له عند المغاربة. وشاهد على حسن علاقته بالمسؤولين في الدولة. إلى غير ذلك مما بينه الدكتور في رده على الداخلية، ومما جاء في رده: “أعجب يا سيادة الوزير من إقدامكم على هذا الفعل ضد فئة من المواطنين المسالمين الذين يسعون في تحقيق الأمن في البلد، وتهذيب الشباب والشابات، ويمدون أياديهم في خدمة هذا الوطن، ومع ذلك وقفتم ضدهم، وصادرتم حقوقهم في عملهم الجمعوي مخالفين بذلك صريح القانون مما يعطي الانطباع بأن هذه الفئة العريضة من المجتمع أصبحت غير مرغوب فيها في بلدها الأم”.

السهام الرابعة: بعض الجمعيات الحقوقية
كان رواد دور القرآن يأملون من كثير من الجمعيات الحقوقية أن تنصفهم وتطالب بحقهم، لكن وللأسف الشديد أسهمت في لعبة شد الحبل، وإحكام الخناق. واصفة الدكتور بأقبح الصفات وأخبثها، تركزت مجهودات هذه الجمعيات على الفتوى وآثارها في الواقع، للدفاع عن حقوق القاصرات.
فكان جواب الدكتور واضحا في التفريق بين عقد الزواج والدخول، وبيَّن أن الأمر بيد القاضي، وأنه لا يرى تزويج البنت الصغيرة لأنها لا تستطيع تحمل أعباء الزوجية، كما لم يثبت عنه تزويج صغيرة أو الدعوة إلى ذلك، وهو مع ذلك كله من المعارضين حتى للزواج العرفي.
كل هذا ضرب به عرض الحائط من طرف الجمعيات -إلا ما ندر منها- ولم تأبه للآلاف الذين حرموا متعتهم مع القرآن، وصودر حقهم في التجمع والتنظيم. في حين تدافع الجمعيات وبكل قوة على حقوق الشواذ، ووكالين رمضان. مما يضع ألف تساؤل عن أهداف مثل هذه الجمعيات المشبوهة. وإلا فكم من القاصرات تنتهك أعراضهن في كل يوم وليلة جهارا نهارا، فأينكم؟ وأين أصواتكم في حمايات القاصرات؟
وخلاصة الكلام أن المتابع للمشهد السياسي والحقوقي إبان الفتنة المفتعلة يرى غياب العدل والإنصاف، مع سياسة الإقصاء والتهميش المقصودة في حق فئة معينة من المجتمع، ليس لها ذنب إلا أنها أرادت أن تحيي معالم الدين التي أخذت تندرس، بل وبعضها ينطمس على أيدي العلمانيين الحاقدين خدمة لأسيادهم وكبرائهم.
لذا فإني أدعوا المسؤولين إلى المصالحة مع هذه الفئة المخلصة لدينها ووطنها. وإعطائها حرياتها لممارسة حقوقها الشرعية والقانونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *