لماذا اخترنا الملف؟

لا زالت نصوص الكتاب والسنة تتعرض يوما بعد آخر لهجومات متتالية من طرف التيار العلماني، فبعد مرحلة لفظ التراث وإنكاره وإعلان الحرب ضده، وإقصائه والمطالبة بتحييد ما تبقى منه عن الحياة العامة، وبعد الفشل الذريع الذي مني به العلمانيون إزاء هذه المنهجية في التعامل مع «النص الديني»، والتي أفرزت نتائج عكسية أهمها انكشاف أن عداءهم لا يتجه صوب «جماعات إسلامية» متطرفة تقدم فهما راديكاليا للدين -كما يدعون- بقدر ما هو عداء حقيقي وواضح للدين نفسه.
فبعد هذه المرحلة التي خسر فيها المشروع العلماني؛ انتقل بعض مفكريه إلى مرحلة أخرى متقدمة وأكثر خطورة، وهي استغلال الوحي نفسه لتمرير أطروحات فكرية علمانية، وذلك عن طريق أدوات حداثية في فهم النص الديني وقراءته، وشحن النصوص بمضامين فكرية جديدة.
وكأن نصوص الوحي لم تحفظ -لفظا ومعنى- بحفظ الله أولا، ثم بقواعد وأصول وضوابط وضعها علماء جهابذة، ضمنت بقاء الوحي غضا طريا إلى يوم الناس هذا، إنها معركة تتجدد فصولها وأطوارها ومراحلها: إنها معركة فهم النص الديني.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أخبرنا أن مركز الصراع في معركة الوحي سينتقل نسبيا من مركز التنزيل إلى مركز التأويل/التحريف، فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ منكم مَن يقاتل على تأويل هذا القرآن، كما قاتلت على تنزيله» (رواه أحمد في المسند والنسائي في السنن الكبرى، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2487).
إن معركة التأويل/التحريف معركة قديمة جديدة، فمن قبل قال حبر الأمة عبد الله ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما للخوارج: «أتيتكم من عند أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ومَن عند ابن عمِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وصهره، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلمُ بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحدٌ» (رواه النسائي في الكبرى 8575 وحسنه الوادعي في صحيح المسند).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 17/353: «وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلغوا تلك المعاني إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه».
واليوم انبرت مراكز ومؤسسات للترويج لهذا العبث العلمي والفكري، الذي يرنو مروجوه إلى «قلب الشريعة، وتغيير صفحتها، من شرع منزل، إلى شرع مبدل، ودين محرف»، وحتى نسلط الضوء حول هذا المشروع، وبعض المؤسسات التي تسعى إلى التمكين له ارتأينا فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *