الفصحى والعامية تعايش سلمي قديم

اللغة ذات أساس ومرجعية تاريخية ثابتة؛ أما اللهجات فهي نتيجة طبيعية للعزلة التاريخية والانقسامات الدينية التي رسخت الشرخ الطائفي بين أبناء الأمة الواحدة.
واللهجات بشكل عام موجودة في معظم اللغات الحية وفي جميع أصقاع الأرض؛ ولا تخلو لغة من لهجات عامية تختلف من بلد لآخر ويصل الاختلاف أحياناً إلى حد تعذر فهم لغة الشخص الآخر من نفس القومية كما هو الحال في اللغة العربية، حيث توجد صعوبة بالغة في فهم اللهجة المغربية أو الجزائرية أو الموريتانية أو الصومالية..
ففي كل لغة من لغات العالم الحية توجد لغة فصحى وتوجد لهجات عامية محكية ومهما اختلفت اللهجات بحسب المناطق والبلدان فإن المرجعية تكون للفصحى الأساس، ومهما دخلت الشوائب والكلمات الغريبة على اللهجات المحكية فإن الفصحى هي الحصن المنيع والمرجع الأخير لكل الطوائف من أبناء الشعب الواحد.
إن تجاهل مسألة الثنائية اللغوية؛ أي وجود العامية والفصحى؛ في حقيقتها الراهنة في العالم المعاصر؛ وإلصاقها هذا الأمر بالعربية فقط؛ هو صرف للقضية في غير مسارها الحقيقي.
فالثنائية ظاهرة عامة لها أصولها ومقوماتها النفسية والاجتماعية وليست ذات صبغة مرضية؛ كما يحاولون تصويرها إذا تكلموا عن العربية؛ وكأنها انفردت من بين لغات البشر بهذه الازدواجية.
وعلى كل حال فإن من المبالغة أن نتصور أن هناك ذلك البون الشاسع المتوهم بين عاميتنا وفصحانا؛ خاصة بعد أن خطا التعليم بالناس خطوات واسعة نحو الفصيحة في سائر الدول العربية… وما حدث تجاه مسألة الثنائية أو الازدواجية من تهافت أدلة أولئك الشعوبيين حدث تجاه المسائل الأخرى التي باتت مفضوحة الارتباطات، كالدعوة إلى الكتابة باللاتينية التي بلغت حداً من التهافت والسخف جعل أصحابها موضع تندر قبل أن يكونوا جديرين بالرد والنقاش!
ولكن هل انهزم أعداء العربية؟
إنهم يعرفون أن هدم ذلك البناء الشامخ غير ممكن ولا ميسر، لذلك فإنه يكفيهم في كل مرحلة أن يخربوا بعض أطرافه ويقلعوا بعض أحجاره لعله يتاح لهم في المستقبل دك أعمدته وتخريب أساسه… بحوث في اللغة والنحو والبلاغة؛ عبد الإله أحمد النبهان ص/70ــ72؛ اللغة العربية التحديات والمواجهة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *