اليهود في تاريخ المغرب عبد الصمد إيشن

“أيها الرفاق اليهود اعلموا بكيفية لا رجعة فيها بأن لكم وطنا، ليس هو الأرض الموعودة (فلسطين) بل الوطن الذي تعيشون فيه، لقد عرفت هذه البلاد ميلادكم ومنحتكم القوت وتنفستم هواءها، إنكم أبناء هذه الأرض المعطاء”. (الحركة الوطنية)

إن استغلال اليهود المغاربة للاعتداء على هوية وأرض الشعب الفلسطيني، يستدعي توضيح تاريخ اليهود المغاربة بأرضهم المغرب، وأنهم بالفعل أبناء المغرب والواجب عليهم الالتزام بالمغرب لا الهجرة منهم لأغراض استعمارية خارجه، خاصة إن كانت أرض فلسطين المقدسة. إذن يهود المغرب كما تؤكد صفحات التاريخ، هم أبناء هذا البلد لا غرباء عليه، تجدهم بمساكنهم وأحيائهم وحرفهم ومسؤولياتهم منسجمين تماما الإنسجام مع كل مكونات المجتمع المغربي منذ مئات السنين.

ويشهد ابن خلدون وابن الكلبي على أن المسلمين الرواد في المنطقة المغاربية وجدوا تجمعات للديانة اليهودية. وعندما جاء الإسلام، أعاد تنظيم حياة الطائفة اليهودية وفقا لقواعد العيش التي أقرتها الديانة الجديدة آنذاك، وتبين لاحقا أنها وفرت لليهود الإطار الذي يعتبره الكثير من الخبراء، بمن فيهم اليهود ذاتهم، الأرقى تاريخيا إلى غاية ذلك الوقت، والذي وفر لهم فرصة ازدهار غير مسبوق في العلوم والفنون والسياسة والاقتصاد وفن العيش، وحتى في الجوانب الدينية الروحية.

فالكل يعرف أن المغرب الإسلامي والأندلس أنجب العلماء والمفكرين الموسويين اللامعين، كموسى بن ميمون، ويهوذا اللاوي، وابن جبرول، ويهوذا بن قريش التاهرتي، والسياسي الغرناطي يوسف بن النغريلة، وأيضا صموئيل ابن النغريلة. وكان المغرب الذي نعرفه اليوم جزء من كل هذا المجال الحضاري الإسلامي الغربي.

وعندما انهار حكم المسلمين في الأندلس، غادرت غالبية يهود هذه البلاد، حسب المستطاع، إلى المنطقة المغاربية مع المسلمين ليستقروا بها نهائيا، بما في ذلك مدن فاس ومكناس وسجلماسة وسلا والصويرة وغيرها من المدن والقرى المغربية. وكان عدد هؤلاء، اللاجئين والمهاجرين والمطرودين قسريا، كبيرا إلى حد أنهم فاقوا على الطوائف المغربية عددا ورزقا وثقافة. وفي مختلف البلاطات المغربية، شغل الكثير من الأعيان اليهود وظائف الترجمة والدبلوماسية، وكانوا تجار سلاطين البلاد، وكانوا أيضا قادة سياسيين وعسكريين.

خلال القرون التالية، عاش يهود المغرب في انسجام مع جميع المكونات السكانية لمختلف الممالك والإمارات، إلى أن جاءت الحركة الصهيونية والحقبة الاستعمارية التي تسببت في اختلالات للعلاقات من حين لآخر، لعدة أسباب من بينها استقطاب المحتلين لبعض العناصر اليهودية وتوظيفها في صراعها ضد أهالي البلاد. وعندما جاءت الحركة الصهيونية وتم إعلان قيام دولة إسرائيل، توترت العلاقات بين يهود المغرب ومسلميها، مثلما حدث في كل البلاد العربية آنذاك، وبدأت في خضمها وبتشجيع الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية العالمية حركة الهجرة اليهودية الجماهيرية، سرا أو جهرا، إلى فلسطين.

ولعل من أبرز ما يدل على حسن تعامل ملوك المغرب مع اليهود المقيمين ببلدهم، هو رسالة جد العائلة المالكة السلطان محمد بن عبد الله إلى عماله يأمرهم فيها بمعاملة اليهود بسائر أقاليم المغرب، بما أوجبه الله من نصب الحق والتسوية بينهم وبين غيرهم في الأحكام حتى لا يلحق أحدا منهم ذرة من الظلم أو اعتداء. كما سار على نهجه الملك محمد الخامس رحمه الله في حماية اليهود في ظروف داخلية وخارجية جد صعبة، بعد اندلاع الحرب العالمية الثاني وإقدام الإقامة العامة على إدخال قوانين “فيشي” للمغرب ومحاولة تطبيقها على اليهود المغاربة فيما بين 1940-1942، وفي هذه المحنة العسيرة التي مر منها يهود المغرب، أبدى سيدي محمد بن عبد الله بشكل صريح تعاطفه مع رعاياه اليهود واستقبل بعض أعيانهم في رحاب القصر في سنة 1942، مؤكدا لهم حق تمتعهم بحماية السلطان مثل بقية المسلمين. مما اضطر الإقامة العامة إلى التخفيض من وثيرة تطبيق قوانين “فيشي” القاسية على اليهود بالمغرب.

في 23 من ماي 1948 أصدر الملك محمد الخامس رحمه الله بيانا أمر فيه المغاربة بحسن معاملة اليهود بوطنهم المغرب وألا يحملهم ما يقع في فلسطين على العنف تجاههم، فهم أهل ذمة استقروا بالمغرب منذ قرون، وأخلصوا للعرش المغربي، وهم غير يهود إسرائيل المتشردين الذي قصدوا فلسطين من مختلف أنحاء المعمور.

 

كما كان الملك محمد الخامس حاضرا عقب اندلاع الحرب الاسرائيلية العربية الأولى سنة 1948 التي سادت فيها أجواء التوتر بالمغرب بين المسلمين واليهود، حيث قام الملك رحمه الله بنشر بيان 23 ماي 1948، يأمر فيه المغاربة بحسن معاملة اليهود بوطنهم المغرب وأن لا يحملهم ما يقع في فلسطين على العنف تجاههم فهم أهل ذمة استقروا بالمغرب منذ قرون وأخلصوا للعرش المغربي وهم غير يهود إسرائيل المتشردين الذي قصدوا فلسطين من مختلف أنحاء المعمور.

واعترف اليهود كثيرا بجميل الملك محمد الخامس تجاههم، خاصة ما كتبه الحاخام ميارا شلوم في كتابه “الصالح من الأمم”، إذ لقب الملك محمد الخامس بـ”الملك الصالح” كدرجة من درجات الشرف الديني في الديانة اليهودية، تكريما واعترافا له رحمه الله بالجهود العظيمة في الدفاع عن رعاياه اليهود في عهد الحماية الفرنسية معرضا نفسه وممتلكاته للخطر بخلاف كل دول العالم.

كان لقادة الحركة الوطنية ومؤسسو كتلة العمل الوطني نفس التعامل الحَسَن مع يهود المغرب وفي فترة الحماية، حيث خاطب رموز الحركة الوطنية يهود المغرب للالتفاف حول عرش سيدي محمد بن يوسف “أيها الرفاق اليهود اعلموا بكيفية لا رجعة فيها بأن لكم وطنا، ليس هو الأرض الموعودة (فلسطين) بل الوطن الذي تعيشون فيه، لقد عرفت هذه البلاد ميلادكم ومنحتكم القوت وتنفستم هواءها، إنكم أبناء هذه الأرض المعطاء”. نفس النداء تضمنته بيان حزب الاستقلال الذي قال سنة 1947 “إن موقف حزب الاستقلال والشعب المغربي ضد الصهيونية لا يقتضي العداء لليهود المواطنين الذين يتمتعون بالجنسية المغربية وتشملهم رعاية جلالة الملك، إذ هؤلاء مغاربة لهم مالنا وعليهم ما علينا أما الصهيونية فهي فكرة استعمارية تسلطية تريد الاستيلاء على ما في يد الغير ظلما وعدوانا”.

الحذر كل الحذر أن نسمح للغرباء على المجتمع المغربي، سرقة تاريخ اليهود المغاربة لتضليلهم واستغلالهم ومن تم استعمار شعوب أخرى بواسطتهم. وكل المسؤولية على عاتقنا كمغاربة أن نوضح لهم، أن المغرب هو بلدهم لا بلدان يستعمرونها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *