التغريب تيار فكري ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة بالأسلوب الغربيّ، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلّة وخصائصهم المتفرّدة، وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربيّة. التغريب والعلمانية لا فرق بينهما فالعلمانية هي ثقافة الغرب وأساس أنظمته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ومن يحاول نشرها في البلاد الإسلامية يسمى من دعاة التغريب، فكل داعية للتغريب هو داعية للعلمانية، والعكس صحيح.
يسعى الغرب بكل قوة إلى غزو دول العالم الثالث –كما يسمونها- ثقافيا بغرض محو هويتها المتميزة وتشكيل أنماط سلوكها وعقلياتها وأساليب حياتها وفق الحياة الغربية، وهذا يساهم في عدم استقرار الأحوال العامة لهذه الدول سياسيا واقتصاديا وفكريا، وما يتبقى بعد ذلك من إنتاج أبنائها يصبح في حالة تبعية للثقافة الأجنبية، والذي يهمنا في هذا المقام هو الجانب المتعلق بالعالم الإسلامي من هذا الغزو.
ارتبطت عملية التغريب في العالم الإسلامي بظاهرتين خطيرتين:
الأولى: الأخذ بمبدأ فصل الدين عن الدولة بل قل عن الحياة (النظام العلماني)، كما هو معمول به في أوروبا بعد تخلصها من سيطرة وبطش الكنيسة وتسلط رجال الدين، ومعلوم أن هذا كان سببه معارضة رجال الدين النصارى للنهضة العلمية في أوروبا عند ظهورها، وليس في الإسلام تعارض بين الدين والعلم، ولا يُتصَور في الفهم الإسلامي فصل الدين عن الدولة.
الثانية: التقليد الأعمى للحضارة الغربية المادية، حيث امتد هذا التقليد ليشمل الجوانب الاجتماعية والأخلاقية والعقائدية، بل فاق هذا التقليد تقليد الحضارة الغربية في نهضتها العلمية، مما أدى بالتالي إلى ذوبان الشخصية المسلمة عند كثير من المسلمين وتحولت حياتهم إلى صورة منسوخة من الحياة الأوروبية المادية تأخذ أسوأ ما فيها وتترك الاستفادة بأفضل ما عندها من العلوم الدنيوية النافعة.
وبكلّ أسف فقد حقّقت حركة التغريب نجاحا مذهلا، واستطاعت أن تتغلغل في كل بلاد العالم الإسلامي، وإلى كلّ البلاد المشرقيّة، على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية الحديثة على هذه البلاد، وربطها بالغرب فكرا وسلوكا. لقد تعالى تأثير حركة التغريب، فظهر بوضوح في مصر، وبلاد الشام، وتركيا، وأندونيسيا، والمغرب العربيّ، وتدرج بعد ذلك في البلاد الإسلامية.. ولم يخل بلد إسلامي من آثار وبَصَمَات هذه الحركة.
إنّ التغريب تيار مشبوه، يهدف إلى نقض عُرَى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته، والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته.. ومن واجب العلماء وقادة الفكر الإسلامي كشف مخططاته، والوقوف بصلابة أمام سمومه ومفترياته، التي تبثها الآن شخصيات مسلمة، وصحافة ذات باع طويل في محاولات التغريب، وأجهزة وثيقة الصلة بالصهيونية العالمية والماسونية الدولية، لقد استطاع هذا التيار استقطاب كثير من المفكرين العرب، فمسخوا هويتهم، وحاولوا قطع صلتهم بدينهم، والذهاب بولائهم وانتمائهم لأمتهم الإسلامية، من خلال موالاة الغرب والزهو بكل ما هو غربيّ، وهي أمور ذات خطر عظيم على الشباب المسلم.