الكنبوري*: إيران تعتقد أنه بعد الربيع العربي باتت الفرصة سانحة أمامها لنشر التشيع، في ظل الفوضى التي شهدتها المنطقة

بالنسبة لإدريس فإن نشر المذهب الشيعي بالنسبة لإيران يشكل خيارا استراتيجيا منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979، فإيران -بالنسبة له- دولة فارسية غير عربية في محيط عربي غالبيته سنية ترى أن التشيع هو الخيار الوحيد للتمدد ومحاربة العزلة الإقليمية، ليس بالمعنى السياسي ولكن بالمعنى الديني والثقافي.
من أجل ذلك أشار الكنبوري الباحث في الشأن الديني والفكر الإسلامي أن علينا أن ندرك بأن إيران دولة ترتكز على هويتين، هوية قومية هي الفارسية، وهوية مذهبية هي التشيع، والهويتان معا معزولتان في المنطقة، لذلك فإن إيران تعتبر أن نشر المذهب الشيعي الإثني عشري هو ما يفتح أمامها المجال الحيوي.
وأنه خلال مرحلة الثمانينات، عملت إيران على نشر التشيع في محيطها الإقليمي القريب، وقامت هذه الاستراتيجية على آليتين: الأولى هي المطالبة بحقوق تاريخية مفترضة في بعض البلدان القريبة مثل العراق، من أجل استعادة النجف مهد التشيع داخل العراق، والثانية هي توظيف الشيعة المتواجدين في بلدان الخليج. ولكن هذه الاستراتيجية اصطدمت بحاجز السلفية، التي لديها موقف تاريخي قديم متجذر من التشيع ومن الرافضة، يرجع إلى أدبيات محمد بن عبد الوهاب ومحمد رشيد رضا. ولذلك رغم وجود امتداد شيعي داخل هذه البلدان إلا أن وجود السلفية شكل حاجزا قويا أمامها.
من هنا فإن التركيز -وفق الكنبوري دوما- على منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي جاء انطلاقا من أن هذه المنطقة لا تشهد وجود تيارات دينية متشددة إزاء التشيع، بالشكل الذي هو عليه الأمر في الخليج، وينتشر فيها المذهب المالكي الذي يعد مذهبا متسامحا مقارنة مع المذهب الحنبلي، ولديها تاريخ قديم مع الشيعة بحكم أنها شهدت قيام أنظمة حكم تنتسب إلى آل البيت، كالدولة الفاطمية مثلا.
وبعد حرب الخليج التي انتهت عام 1988 وانكشاف مخطط نشر التشيع انتقلت إيران للمراهنة على المهاجرين المغاربيين في أوروبا، بحكم أن المجال الأوروبي يمنح فرصا أوسع لنشر المذاهب ويوفر حرية التحرك، وتشير تقارير إلى وجود عدد كبير من الذين تحولوا إلى المذهب الشيعي من المغاربة والجزائريين والتونسيين، خاصة في بلجيكا وهولندا، غير أنه بحكم أن الشيعة يلجؤون إلى التقية، نظرا لحساسية الموقف، يظل من الصعب التعرف على العدد الحقيقي لهؤلاء.
أما بخصوص التحالف مع الجزائر لاختراق المغرب ونشر المذهب الشيعي، فيعتقد الكنبوري أن إيران منذ أن قطع المغرب علاقاته الديبلوماسية معها عام 2009 على خلفية اتهامها بنشر التشيع وهي تسعى إلى إيجاد وسائل جديدة لاختراق المغرب.
وقال: صحيح أن المغرب أعاد علاقاته مع إيران، ولكن من الناحية السياسية فقط، بينما بقي موقفه من التشيع هو نفس الموقف، وهو التحفظ، لأن المغرب ميز بين البعد السياسي والبعد المذهبي في هذه العلاقات. وانخراط المغرب في الحرب السعودية مع إيران ضد الحوثيين في اليمن، ودخوله في التحالف الإسلامي العسكري، جعل إيران تفهم أن المغرب التحق بالاستراتيجية الخليجية في محاربة التمدد الشيعي الإيراني، لكن الجزائر بقيت حليفا موضوعيا لإيران، فهي لم تلتحق بهذا التحالف، كما أنها تعد حليفا قديما لإيران، إذ لا يجب أن ننسى بأن الجزائر أيدت الثورة الخمينية عام 1979 في الوقت الذي وقف المغرب ضدها واستقبل الشاه المطاح به رضا بهلوي.
وختم الكنبوري تصريحه بأن إيران مهتمة جيدا بنشر التشيع في المنطقة، وهذا أمر ليس جديدا، فقد سبق للكثير من علماء السنة أن حذروا من التمدد الإيراني في المغرب العربي، منهم يوسف القرضاوي عام 2008، وقد أشار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تقرير أعده قبل بضع سنوات إلى النوايا الإيرانية في المنطقة وفي إفريقيا بشكل عام، فإيران تعتقد بأنه بعد الربيع العربي باتت الفرصة سانحة أمامها لنشر التشيع، في ظل الفوضى التي شهدتها المنطقة، وما حصل في مصر في عهد الإخوان المسلمين دليل على ذلك، بل إن إيران اعتبرت أن الربيع العربي نسخة جديدة سنية من الثورة الشيعية، إلى حد أن الأزهر خرج بشكل علني يحذر من التمدد الإيراني، ورفض اقتراحا من طهران بتشجيع السياحة الدينية والسماح بالسفر إلى إيران.
ــــــــــــــــــ
* الباحث في الشأن الديني والفكر الإسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *