إعادة هيكلة الحقل الديني والتضييق على العلماء نبيل غزال

جاء قرار عزل السيد رضوان بنشقرون رئيس المجلس العلمي لعين الشق بالدار البيضاء ليكرس السياسة التي ينتهجها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد توفيق لإعادة هيكلة الحقل الديني؛ فبالنسبة للسيد الوزير لا يحق للعالم أو الفقيه أو الواعظ أن يقوم بنقد الواقع وتحليله؛ أو أن ينزِّل النصوص الشرعية على المستجدات العصرية؛ أو أن يتعرَّض إلى ما يعيشه الناس من تناقض صارخ بين ما تنصُّ عليه الشريعة الإسلامية من عقائد وأحكام وأخلاق وسلوك؛ وبين ما هو موجود حقيقة على أرض الواقع؛ بل يجب على السادة العلماء أن ينأوا بالخطاب الجديد الذي ترتئيه الوزارة عن الشعبوية. وهو ما عبر عنه الوزير صراحة من خلال الدرس الحسني الذي ألقاه بين يدي أمير المؤمنين -وفقه الله لكل خير- سنة 1425هـ حيث قال وهو يعد الضوابط التي يجب أن يقف عندها الخطيب أو المرشد: “حِرص المرشد أو الخطيب على تجنب ما يسمى في لغة العصر بالشعبوية؛ أي الخطاب الذي يسعى به صاحبه إلى اكتساب النجومية واستمالة النفوس؛ ولا سيما إذا توسل بتضخيم مساوئ الوقت؛ ونعت المجتمع تعميما بالخروج عن الجادة واتهام أولي الأمر بالمسؤولية عن تدهور السلوكات والتلويح بتوقع عقاب من السماء” (الدرس الحسني لسنة 1429هـ).
فبالنسبة للسيد الوزير فمن تحدث عن تبذير المال العام؛ أو عن العري في الشواطئ؛ أو عن مهرجان موازين واستقطاب ملك اللواطيين في العالم إلى المغرب مثلا؛ وأدان المسؤولين عن القطاع الثقافي والفني بالسعي إلى ترسيم نظام قيمي مخالف للخصوصية الوطنية؛ وربط توسع دائرة المنكر وشيوع الفاحشة بالغضب الإلهي وتوقع نزول العقاب من السماء مصداقا لقول الحق جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ هُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود:102)؛ فصاحب هذا الخطاب يعتبر عند السيد الوزير شعبويا!
ذلك أنه -وفقا لمنظور الوزير دائما- يجب على الخطيب أو الواعظ أن يتبنى “خطاب التقريب والتيسير بدل خطاب التخويف والوعيد والتنفير.. ويحذر المرشدُ والخطيب في إظهار سلطته الناقمة ضد أنواع الفرح والمتعة الفنية المباحة والابتكار الإنساني الخلاق..” (الدرس الحسني لسنة 1429هـ).
فالرسالة واضحة لا تحتاج إلى مزيد بيان؛ وهي أن الوزير كما صرح في استجواب لجريدة الاتحاد الاشتراكي يتبنى “خريطة لمشروع ديني متساوق مع المشروع السياسي ورافد له أيضا، والذي من شأنه أن يزيل من الأذهان تماما أن هناك احتمال التنافر أو الاصطدام بين هذه المقومات”.
بمعنى أن التظاهرات الثقافية والفنية التي يرخص لها من طرف مؤسسات الدولة كمهرجان موازين والبولفار والدار البيضاء.. وغيرها كثير حتى وإن تعارضت هي ذاتها أو القيم التي يراد تمريرها من خلالها مع المعلوم من الدين بالضرورة؛ فلا يجوز -وفق مخطط الوزير- إظهار الغضب والنقمة إزاء أنواع الفرح والمتعة الفنية هاته؛ ويجب أن يزول تماما من أذهان الناس وجود تنافر واصطدام بين هذه المقومات.
فالخطاب “الديني” الذي يسوق له الوزير خطاب يهدف إلى حصر الدين في إطار السلوك وتغييبه في مجال السياسة والاجتماع والثقافة والفكر.
وهو ما يجعلنا نفهم كثيرا من قرارات الوزارة بخصوص عزل عدد من الأئمة والخطباء؛ كما هو الشأن بالنسبة لخطيب مسجد “لخلايف” بـ”حد السوالم” الذي كان ينتقد السياسة الخارجية الأمريكية والذي تم عزله سنة 2007 ونفذ قرار عزله مندوب الوزارة بسطات عبد اللطيف يسف، ابن شقيق محمد يسف رئيس المجلس العلمي الأعلى، والأمر نفسه ينطبق على خطيب قرية بامحمد الذي أنكر على النائب الاشتراكي عبد القادر البنا استهزاءه وتطاوله على أحكام شرعية قطعية.
هذا هو المشروع الديني الجديد الذي يسعى وزير الأوقاف إلى ترسيمه على أرض الواقع؛ وكل من ثارت حميته وسولت له نفسه الخروج عن هذا السبيل فمصيره حتما سيكون هو مصير السيد رضوان بنشقرون؛ الذي خرج بكل تأكيد من رئاسة المجلس مرفوع الرأس؛ ويكفيه شرفا وفخرا أن يقرن اسمه دوما في المغرب بالحرب على العري ومناهضة استقطاب اللواطيين ومحاربة إهدار المال العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *