في وقت شديد الحساسية سربت أطراف غير معروفة وثيقة تضم عددا من التوصيات، قيل إنها تلخص مضامين التقرير المرفوع إلى الملك من طرف رئيس الحكومة، والذي تضمن مقترحات اللجنة التي تم تشكيلها تنفيذا للتوجيهات الملكية، بهدف تقديم مقترح تعديلات بشأن مدونة الأسرة، الأمر الذي أثار جدلا واسعا على منصات التواصل والصالونات السياسية والشارع العام.
هذا التسريب المجهول المصدر، يحاول إذكاء حالة من الاحتقان والتشنج، لتمرير أمر ما، لا تريد جهات ما، تسجيل أي اعتراض عليه، فعند الهرج، يكثر القيل والقال، والكذب والادعاءات، وتبادل الاتهامات، ومحاصرة نور الشرع والعقل، بداعي محاربة الإرهاب والتطرف، وهذا ما لوحظ جليا مباشرة بعد انتشار هذه التسريبات، حيث سارعت الآلة النسوية في الضغط وكأنها تحاول فرض رؤيا ما، على من أوكل إليه الحسم في هذا الأمر أولا، ثم إيصال رسالة لمناصري شذوذها من خارج الوطن حتى يفرضوا رؤيتهم العلمانية لإصلاح مدونة الأسرة.
كما يمكن اعتبار هذه التسريبات بالون اختبار لجس نبض الشارع المغربي، وقياس قوة رد فعله، المضاد لها من جهة، والمؤيد من جهة أخرى.
لكن الظاهر أن هذه المناورة كانت مكشوفة، حيث توالت ردود الأفعال من عدة شخصيات عامة ومفكرين وعلماء، تكشف خطورتها على سير هذا التعديل التاريخي لمدونة الأسرة.
وقد عبر حزب العدالة والتنمية عن تخوفاته من هذه التسربات، واستهجن هذه المضامين مناقضة للهوية الإسلامية وللثوابت الدستورية والتأطير الملكي والتوجهات الشعبية، والتي تهدد تماسك الأسرة والمجتمع واستقرارهما، وتعتبر أن المسؤولية تقتضي فتح تحقيق في الموضوع لقطع الطريق على الساعين لزرع الفتنة والمتلاعبين في موضوع جدي وكبير، كما اعتبر حزب المصباح ذلك مسا بمقام الملك أمير المؤمنين.
واتهم عبد الإله ابن كيران، وهبي بتجاوز مرحلة رفع التعديلات المقترحة من اللجنة للملك محمد السادس، وإفشاء السر، مؤكدا أن تصريحات الأخير والتي حاول فيها حشد التيارات الحداثية إلى دعمه ومساندته من أجل الإسراع بإخراج مدونة الأسرة بأقرب الآجال مخافة عودة الإسلاميين والتيارات المحافظة إلى قيادة الحكومة وتدبير الشأن العام.
واستقبلت الجمعيات المدافعة عن حقوق الرجل، هذه التسريبات بالتشكيك والرفض، ومحذرة من خطورتها على الفرد والمجتمع.
وشدد على أن “هاته التسريبات التي تروّج سيكون تأثيرها معاكسا وسيضر المرأة وليس الرجل، خاصة فيما يتعلق بالإرث والولاية الشرعية، وهي عراقيل يطمحون من خلالها إلى الضغط على الرجل، لكنهم ينسون أن الرجال سيعزفون عن الزواج، وسنرى نسبا عالية من العنوسة في مجتمعنا تضاعف المسجلة حاليا، وهو ما يعني فساد المجتمع”.
في المقابل حاولت الأقلية العلمانية من خلال مجموعة من النسويات وضع أنفسهن في موقف الضحية، مقدمين طلبا عاجلا إلى السلطات للتدخل من أجل توفير الحماية للنساء المستهدفات، ومطالبين من النيابة العامة التصدي لخطاب الكراهية على حد قولهم.
كما طالبوا من وزير الأوقاف تكميم أفواه الخطباء بدريعة التحريض، فهم يملؤون الفضاءات العامة والخاصة بتصريحاتهم المثيرة والمستفزة، وبالمقابل يطالبون بتكميم أفواه العلماء، وكل المخالفين الرافضين لضلالهم المبين، وبعد كل هذا يدعون احترام الحقوق وحرية التعبير، فعن أي حقوق وحريات يتحدثون؟!