حاول معدُّو برنامج تحقيق حول “ارتداء الحجاب” جاهدين أن يمرروا مجموعة من المفاهيم المغلوطة حول فريضة الحجاب، من جملتها أن الحجاب لا علاقة له بالدين إنما هو “ظاهرة مرتبطة بعوامل اجتماعية وثقافية، وتمظهُر سلوكي نسبي يتغير باختلاف الفضاءات والأمكنة”، وهي شبهة لطالما لاكها دعاة العلمانية لرفض “المصدر الإلهي للأديان أو الوحي، واعتبار أحكامه المطبقة من طرف الأفراد ظواهر اجتماعية وإنسانية تاريخية برزت ضمن ظروف ومعطيات معينة كما قرره فرويد اليهودي وغيره”.
يروج العَلمانيون الخائفون الوجلون من انتشار الحجاب شبهات متعددة حول فرضيته، ويصرُّون من خلال منابرهم الإعلامية كالأحداث والصباح ومجلة نيشان والقناة الثانية وغيرها على اعتباره ظاهرة اجتماعية لا دينية.
وهو الأمر الذي روَّج له معدُّو برنامج تحقيق حول “ارتداء الحجاب” الذي أذاعته القناة الثانية 2M وأعيد بثه عبر القناة الفضائية “المغربية”، حاولوا جاهدين من خلاله أن يمرروا مجموعة من المفاهيم المغلوطة حول فريضة الحجاب، من جملتها أن الحجاب لا علاقة له بالدين إنما هو “ظاهرة مرتبطة بعوامل اجتماعية وثقافية، وتمظهُر سلوكي نسبي يتغير باختلاف الفضاءات والأمكنة”.
وهي شبهة لطالما لاكها دعاة العلمانية لرفض “المصدر الإلهي للأديان أو الوحي، واعتبار أحكامه المطبقة من طرف الأفراد ظواهر اجتماعية وإنسانية تاريخية برزت ضمن ظروف ومعطيات معينة كما قرره فرويد اليهودي وغيره”.
واعتمدوا لتقرير ذلك على بعض القواعد الفقهية الصحيحة، وظَّفوها كعادتهم توظيفا منحرفا لتحقيق مرادهم، وهي قاعدة “تبدل الأحكام بتبدل الزمان” وقاعدة: “العادة محكّمة” فما دامت الأعراف متطوّرة بتطوّر الأزمان فلا بدّ أن تكون الأحكام الشرعية كذلك.
تبدل الأحكام بتبدل الزمان
لا ريب أن هذا الكلام لو كان مقبولاً على ظاهره لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم، لكن تحقيق المراد من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم:
1- إما أن يكون هو بعينه حكمًا شرعيًا أيضًا بأن أوجده الشرع، أو كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده، مثال ذلك: الطهارة من النجس والحدث عند القيام إلى الصلاة، وستر العورة فيها، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب، والقصاص والحدود وما شابه ذلك، فهذه كلها أمور تعدّ من أعراف المسلمين وعاداتهم، وهي في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها العقاب، سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل الإسلام ثم جاء الحكم الشرعي مؤيّدًا ومحسّنًا له، كحكم القسامة والدية والطواف بالبيت، وما كان غير معروف قبل ذلك، وإنما أوجده الإسلام نفسه كأحكام الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فهذه الصورة من الأعراف لا يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير مهما تبدلت الأزمنة وتطورت العادات والأحوال؛ لأنها بحدّ ذاتها أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا، وليست هذه الصورة هي المعنية بقول الفقهاء: “العادة محكَّمة”.
2- وإما أن لا يكون حكمًا شرعيًا، ولكن تعلّق به الحكم الشرعي بأن كان مناطًا له، مثال ذلك: ما يتعارفه الناس من وسائل التعبير وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال المخلّة بالمروءة والآداب، وما تفرضه سنة الخلق والحياة في الإنسان مما لا دخل للإرادة والتكليف فيه، كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير ذلك.
فهذه الأمثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكامًا شرعية ولكنها متعلَّق ومناط لها، وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول الفقهاء: “العادة محكمة”، فالأحكام المبنيّة على العرف والعادة هي التي تتغيّر بتغيّر العادة، وهنا فقط يصحّ أن يقال: “لا ينكر تبدّل الأحكام بتبدل الزمان”، وهذا لا يعدّ نسخًا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره.
يوضّحه أنّ العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو أن الحكم الأصلي باق، ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لتطبيقه. (انظر كتاب عودة الحجاب).
الحجاب إذن، فريضة فرضها الشارع الحكيم الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما يصلحه، وعبادة من أعظم العبادات؛ لأن الله تعالى أمر به في كتابه، ونهى عن ضده وهو التبرج، وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ونهى عن ضده، وأجمع العلماء قديماً وحديثاً على وجوبه ولم يشذّ عن ذلك منهم أحد.
فالعجب ممن يرى الحق واضحا كرابعة النهار ثم يصر على الاستكبار والعناد وإنكار ما هو معلوم عند علماء المسلمين قاطبة من الدين بالضرورة.