من يحمي الأخلاق والآداب العامة في المغرب؟ نبيل غزال

بات الانحراف الأخلاقي سمة بارزة في المجتمع، ولم يعد هناك مجال للاختلاف حول هذا الموضوع لأنه أمر مشاهد محسوس.
فمظاهر العري والخلاعة عمت جل شوارع المدن، وارتفعت جرائم التحرش والزنا والاغتصاب والاختطاف، وحالات زنا المحارم، والإدمان على تعاطي المخدرات والخمور.. وكذا جرائم الرشوة والتزوير والسرقة والسطو والقتل.. وكلها مؤشرات قوية تؤكد تآكل منظومة القيم والأخلاق داخل المجتمع.
فنتيجة التمكين للقيم العلمانية؛ وتحكم المنتمين إليها في العديد من المؤسسات المؤثرة في المجتمع، وجنوح الإعلام الوطني إلى تبني قيم وافدة، والتسويق لقيم الحرية بالمفهوم اللاديني، مقابل ضعف كبير في المنظومة التربوية والدينية وتفكك واضح للأسرة، وازدواجية خطاب مؤسسات الدولة حول موضوع القيم؛ فنتيجة ذلك كله أصبح الانحراف الأخلاقي موضوع الساعة وحديث الشارع، لأن معظم الأسر المغربية اكتوت بلظاه، وذاقت معاناة كبيرة جراء هذا الإفراز الخطير من إفرازات منظومة القيم العلمانية.
إن الأسرة تمثل خط الدفاع الأول في هذا الموضوع الحساس؛ وانحرافها يعني الانحراف المباشر للأبناء، فرغم أنها لم تعد الوحيدة؛ أو لنقل العنصر الأبرز في تربية الأبناء وتحديد توجهاتهم وميولاتهم؛ إلا أنها تخلت عن العديد من وظائفها، وانحصر دور الأبوين -في الغالب الأعم- في الغذاء وتوفير الكساء وأداء واجب التمدرس والسفر في بعض الأحيان، أما التربية فغاب دورهم فيها بشكل كبير، وفسح المجال واسعا بعدهم للإعلام، ليبث ما يشاء ويربي ويؤطر ويوجه كيف يشاء.
فصارت قنوات الرسوم المتحركة هي من يحدد سلوك الأطفال ويوجههم، ولا يخفى ما يمرر إليهم عن طريقها من عقائد باطلة وسلوكات منحرفة، وما تولده في نفوسهم من تبني العنف والقتل وأعمال الإجرام، أما في مراحل متقدمة من حياتهم فيتسلم مشعل تربيتهم قنوات أخرى أكثر إثارة وجاذبية، ومواقع إلكترونية وأخرى للتواصل الاجتماعي والدردشة يتواصل عن طريقها الأبناء ويتبادلون معلوماتهم ومعارفهم بعجرها وبجرها.
ولا يخفى أن هاته المواقع والقنوات فيها خير وشر، ويمكن الاستفادة منها كثيرا إن أحسنا استغلالها؛ إلا أن الإحصائيات أثبتت أن الشباب المغربي يقبل بكثرة على المواقع الجنسية أكثر من أي شيء آخر، وقد أكدت دراسة قامت بها شركة “زيويت” أن المغرب يحتل المراتب الأولى في قائمة الدول العربية الأكثر إقبالا على المواقع الإباحية والبورنوغرافية!!
هذا فيما يخص -باختصار كبير- جانب الإعلام؛ أما التعليم فيعرف هذا القطاع اختلالات كبيرة انعكست سلبا على تكوين وتوجيه الأبناء، ومازالت معظم رياض ومؤسسات التعليم الخاص تعتمد مقررات تعليم أجنبية، حيث أن الكتب المدرسية المقررة للناشئة في هذه المرحلة لازالت إلى اليوم تستورد من فرنسا؛ معبأة بحمولاتها الثقافية والفكرية الأخلاقية والعقدية.
أما المدارس والمؤسسات فأصبحت مرتعا لعرض الأجساد العارية وانتشرت فيها العديد من السلوكات المخلة بالأخلاق والقيم؛ وأصبحنا نسمع في المغرب بـظاهرة حمل التلميذات وظاهرة إعمال مشرط الإجهاض في أجسادهن الصغيرة، أما الوضع في الجامعات وداخل الأحياء الجامعية فقد وصل مرحلة متقدمة من الانحراف بلغت تخصص بعض (الطالبات) في مجال الدعارة والقوادة.
ونحن إذ نتابع واقع التعليم في بلدنا نجد أن جانب التربية والأخلاق والاعتناء بالقيم الإسلامية ونقلها إلى الجيل الصاعد مغيب بشكل غير مفهوم، حيث أصبحت المنظومة التعليمية تركز على الجانب المهني، وتخريج أطر وموظفين وعاملين.. لا إلى تربية المجتمع وهدايته وتأطيره.
وأمام هذا الانحراف الخطير نجد أن الدولة لازالت تمارس ازدواجية الخطاب، ففي الوقت الذي تبث فيه قنوات القطب العمومي قيما دخيلة وتطبعها في المجتمع، وتمرر في مقررات التعليم عقائد لادينية وأفكارا وفلسفات علمانية مادية، نجد أن مؤسسات أخرى كوزارة الأوقاف والمجالس العلمية بفروعها تدعو إلى قيم مخالفة أخرى، ما يحدث اضطرابا في المجتمع وتناقضا في بنية الدولة التي لم تحدد بعد القيم التي ستتبناها وتدافع عنها.
إن فساد الأخلاق يهدد المجتمع برمته، وحين تبلغ درجة الفساد تهديد قيم المجتمع الواحد يصير الخطر أعظم والمجتمع برمته على شفا جرف هار، وإذا بلغ الوضع هذه الدرجة تعين على كل واحد منا أفرادا ومؤسسات أن يتحمل مسؤوليته ويقوم بواجبه تجاه دينه ووطنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *