جريمة اللواط من أشنع الجرائم وأقبحها واقترافها يدل على انحراف في الفطرة وفساد في العقل وشذوذ في النفس، فإن الجاهلية الأولى التي يضرب بها المثال السيئ في الحكم والعادات والتقاليد والمظاهر الاجتماعية، كانت تعتبر اللواط معرَّة، فكانوا يقولون في الذم (فلان مصفر إسته) كناية عن أنه يلاط به، بل لم يكونوا يعرفون هذه الفاحشة من قبل في جاهليتهم ولم يؤثر عنهم مطلقاً أن أشاروا إليها فيما تركوه من شعر أو نثر، حتى إنهم ما تغزلوا في الأمَارِدِ والذكران في جاهليتهم، وإنما تسرب إليهم هذا النوع من الغزل مع نهاية القرن الثاني الهجري وبداية الثالث، متأثرين في ذلك بالفرس والأتراك، أما قبل ذلك فما كان غزلهم إلا بالنساء ومع ذلك فإن الله عز وجل لفت نظرهم إلى خطورة هذه الفاحشة.
اللواط لغة
“لفظ لَوَطَ في لسان العرب يحمل على معنى الحب والإلصاق والإلزاق، وقد أجمع العلماء على إطلاقها من غير خلاف يُعرف، فالفقهاء يعقدون أحكام اللواط واللوطية في مصنفاتهم الفقهية، والمفسرون في كتب التفسير، والمحدثون في شروح السنة، واللغويون في كتب اللغة، وقد اختلفت تراجم المحدثين فالترمذي مثلا قال: “باب ما جاء في حد اللوطي” وأبو داود وابن ماجه، قالا : “باب فيمن عمل عمل قوم لوط”، ومنه هنا: عمل قوم لوط: لوطي، ويراد به النسبة إلى نهيه، لا إلى لوط عليه السلام، ومحال أن يخطر ببال أحد سوء في حق نبي الله لوط عليه السلام، ولعل من آثار هذه النسبة أنك لا تجد في الأعلام من اسمه لوط إلا على ندرة ، فهذا مثلا “سير أعلام النبلاء” ليس فيه من اسمُه لوط سوى واحد: أبو مخنف لوط بن يحي.
ولهذا فلا تلتفت إلى ما قاله بعض من كتب في قصص الأنبياء عليهم السلام من أهل عصرنا، فأنكر هذه اللفظة: “اللواط” وبنى إنكاره على غلط وقع فيه في بيان الحقيقة اللغوية لمعنى “لاط” وأن مبناها على الإصلاح، فإن الحال كما تقدم من أن مبناها على الحب والإلزاق والإلصاق، وقد يكون هذا إصلاحا وقد يكون إفسادا، حسب كل فعل وباعثه، والله أعلم”. (معجم المناهي اللفظية: للشيخ بكر أبو زيد).
ومعنى اللواط باختصار: أن ينكح الرجل الرجل، ويأتي الذكر الذكر، كما قال تعالى عن قوم لوط: “أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ” الشعراء، وسميت باللواط نسبة إلى قوم لوط عليه السلام، الذين ظهرت فيهم هذه الفعلة الشنيعة التي لا يفعلها إلا من انطمست بصيرته، واسودت سريرته، وانقلبت فطرته التي فطر الله الناس عليها، وصار مثله كمثل من آتاه الله ورزقه لحما طيبا نضيجا شهيا، فصار يعرض عنه ويبحث عن اللحم النيئ المنتن العفن ويأكل منه، ورضي لنفسه أن يغوص في أوحال القذر والوسخ، حقا إنها الفطرة المنكوسة، والطبيعة المعكوسة، والنفس الشريرة الخبيثة، ثم إن المفعول به هذه الفعلة الحقيرة قد حصَّل من المفاسد ما يفوق الحصر والتعداد، قال ابن القيم رحمه الله: “ولأن يُقتل المفعول به خير له من أن يؤتى (يلاط به) فإنه يفسد فسادا لا يرجى بعده صلاح أبدا، ويذهب خيره كله، وتمص الأرض ماء الحياء من وجهه، فلا يستحيي بعد ذلك من الله ولا من خلقه، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن” اهـ.
إن أي علاقة بين الرجل والمرأة خارج الإطار الشرعي هي زنا، فالعلاقة بين الرجل والمرأة إذن نداء الفطرة بينهما، وهي إما مصرفة في حلال وإما في حرام، لكن أن تكون بين الرجل والرجل، بين الذكر والذكر، فهذا غير وارد على الفطرة أصلا، لأنه ليس في الفطرة ولا الغريزة ميل الرجل إلى الرجل، فحين يحدث شيء من هذا فهو التجاوز لحدود الفطرة وحدود الطبيعة البشرية، ومن ثم التجاوز لحدود الواحد الأحد “مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ” (الأعراف).
ومما يهول أمر تلك الفاحشة ما أخرجه ابن أبي الدنيا وغيره عن مجاهد رحمه الله: “أن الذي يعمل ذلك العمل لو اغتسل بكل قطرة من السماء، وكل قطرة من الأرض، لم يزل نجسا”.
وعن الفضيل بن عياض قال: “لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة من السماء لقي الله غير طاهر” إسناده حسن، أي أن الماء لا يزيل عنه ذلك الإثم العظيم الذي أبعده عن ربه، والمقصود تهويل أمر تلك الفاحشة.