تغيير نظام الإرث عقدين من التآمر اليساري والعلماني

 

مرت 20 سنة على حكومة التناوب التي شكلها حزب الاتحاد الاشتراكي وتزعمها عبد الرحمن اليوسفي، والتي كان تشكيلها بمثابة مرحلة مختلفة في التعاطي مع قضايا المرأة بالتنسيق مع الجمعيات الحقوقية بمرجعية حداثية علمانية، والأحزاب والنقابات بمرجعية يسارية.

لم يعد الاهتمام بقضايا المرأة في معاناتها اليومية وقضاياها وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية، والاهتمام بالمرأة القروية ورفع الحيف والتهميش والظلم المسلط عليها والرجل على حد سواء.

انتقل الأمر لصراع إيديولوجي وعقدي، تم جعل المرأة مدخله، لتغيير أحكام شرعية وفقهية، فتم تضخيم بعض المسائل التي لا تشكل حاجة وقضية في المجتمع، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإيديولوجية، وتفكيك البنية المجتمعية والتشريعية وإعادة بنائها بما يخدم خلفيات تيار سياسي وإيديولوجي معين، للأسف تم استخدام مؤسسات رسمية أحيانا في هذا الصراع، وكان يبدو أحيانا أن الدولة منحازة أو متحالفة مع هذا لتيار الإيديولوجي، الذي غرضه تحقيق اختراق أيديولوجي ومكاسب أيديولوجية، على حساب هوية وقيم ودين ومعتقد شعب بأكمله، وعلى حساب المرأة أيضا التي جعلوها حصان طروادة.

بعد سنة من تشكيل حكومة التناوب اليسارية، وضع “سعيد سعدي”، وهو أحد الوزراء بهذه الحكومة، عن حزب التقدم والاشتراكية، ما سمي حينها بـ:”الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية” بالمشاركة مع جمعيات المجتمع المدني اليسارية والتقدمية والحداثية والعلمانية، وفتح الباب على مصراعيه، أمام هذه الجمعيات التي تمثل فئة وطائفة إيديولوجية داخل المجتمع، وشكلت الحركة النسائية شبكة لدعم لخطة تكونت من أزيد من 200 جمعية، وتحالفا آخر ضم أحزابا ونقابات سمي “جبهة حقوق المرأة”، مستغلة سياقا ومناخا دوليا، ينحو نحو استهداف خصوصيات الشعوب، وقولبتها في قالب القيم الغربية.

من المطالب التي كانت في هذه الخطة موضوع تعديل نظام الإرث، غير أن معارضة العلماء والشيوخ والدعاة سواء كأفراد أو كمؤسسات، إضافة لجمعيات وأحزاب ومنظمات تعبر عن هوية الشعب المغربي، والمسيرة الحاشدة التي خرج فيها الشعب المغربي رافضا لهذه المطالب المناقضة لدينه وعقيدته، ولتحكيم الملكي الذي توج هذا الحراك، أوقف مؤقتا هذا المطلب.

بقيت تلك الجمعيات والمنظمات (اليسارية التقدمية الحداثية العلمانية) تشتغل على هذا الموضوع وتدندن حوله، بغرض تحقيق اختراق إيديولوجي للبنية الثقافية والعقدية والمجتمعية، للشعب المغربي، وتحقيق مكاسب سياسية، وقد ساهمت كثير من المنابر الإعلامية التي تتبنى التوجه ذاته في تسويق هذا الخطاب وإيصاله إلى عموم المواطنين.

في نهاية 2013، أعلن الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر مطالبه بمُراجعة نظام الإرث وتحريره من إلزاميات الشريعة الإسلامية.

في أواخر سنة 2015، سيعيد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة رسمية دستورية، مطالب تغيير نظام الإرث، وتجاوز النص القرآني، ما اعتبره الكثير من المراقبين أمرا غريبا، أن يصدر أمر كهذا عن مؤسسة المفروض أنها لكل المغاربة، وأنها تعكس سياسة وتوجه دولة تدعي أن دينها الإسلام ومذهبها مالكي، وحاكمها يسمى أمير المؤمنين، لكن الغرابة تنقضي حين نعلم أن هذه المؤسسة مختطفة من طرف التوجه الإيديولوجي نفسه، وأنها تخدم أجنداته وأهدافه، وأنها تسعى لتحقيق مكاسب إيديولوجية باختراق المنظومة والبنية الثقافية والعقدية للمغاربة. فالأمين العام لهذا المجلس محمد الصبار، وهو أحد قدماء الشبيبة الاتحادية، وعضو سابق بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والنائب السابق لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

في أبريل 2017 صدر كتاب بعنوان “ميراث النساء.. دراسة متعددة الاختصاصات حول الإرث في المغرب”؛ الكتاب ساهم في إعداده وتحريره 23 من الباحثين من تخصصات مختلفة، منها العلوم القانونية والعلوم السياسية والاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا والتربية والفقه، إضافة إلى 15 مترجما، ليخرج بثلاث لغات، الكتاب تم إنجازه تحت إشراف الباحثة والطبيبة سهام بنشقرون، وشارك فيه عدد من الأسماء المعروفة كعبد الوهاب رفيقي وأسماء المرابط وأحمد الخمليشي…

أواخر شهر فبراير 2018، دعا الملك محمد السادس إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة، من خلال “تقييمها وتقويمها” لمواجهة اختلالاتها، الدعوة جاءت في رسالة، وجهها إلى الوزراء، المكلفين بالطفولة، في المؤتمر الإسلامي الخامس في الرباط.

دعوة الملك، اعتبرتها الجهات ذاتها إشارة قوية لإمكانية تعديل نظام الإرث فانطلقت مجددا الدعوات من الجهات نفسها، مدعومة ببعض المتسلقين والانتهازيين والوصوليين.

أسماء المرابط الطبيبة، وزوجة أحد الدبلوماسيين المغاربة، وابنة المناضل اليساري أحمد المرابط، بالرغم من إقحامها في مؤسسات دينية، المفروض أن تكون منسجمة مع مؤسسات تعبر عن دين الدولة، إلا أن لها خرجات عديدة تخالف قطعيات الدين، وقد سبق أن قالت أنها تدافع عن إسلام تقدمي كإسلام المهدي بنبركة.

أطلت منتصف شهر مارس، خلال مناقشة لكتاب “ميراث النساء”، الذي ساهمت فيه، بتصريح ينسجم مع هواها اليساري، ومع تلك المطالبات التي راكمتها الجمعيات التقدمية اليسارية والحداثية العلمانية، داعية لتجاوز النظام المعمول به في الإرث، لتتم إقالتها من الرابطة المحمدية للعلماء.

بعد إقالة أسماء المرابط، ثارت ثائرة التوجه الحداثي والعلماني، وبدأت حملة للتضامن، مع تصوير الدكتورة لمرابط كمجددة وثائرة ومناضلة كبيرة.

ثم انطلقت مباشرة عريضة للمطالبة بتغيير نظام الإرث كما هو معمول به في الشريعة الإسلامية ونص عليه القرآن، العريضة وقعت عليها أسماء معروفة في مجال الغناء والرقص والتمثيل والسياسة والصحافة والفكر…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *