المحاكم المغربية قبل الحماية

المحاكم الإسلامية هي محاكم واسعة السيطرة غير محدودة الاختصاصات، تتناول السلطان فمن دونه، وتحكم في الأحوال الشخصية والمدنية والجنائية والتجارية والعقارية، وسائر ما يتصل بحياة المغاربة المسلمين طبقا للقانون الإسلامي العام، ووفق المذهب المالكي الخاص، وتحكم فوق ذلك في جميع القضايا التي يكون أحد الطرفين فيها مغربي الجنسية من قضايا الأجانب.
والواقع أن المحاكم الإسلامية قبل فرض الحماية كانت على نوعين: محاكم مخزنية، ومحاكم قضائية، ورئيس المحكمة المخزنية يسمى في المدن بـ”الباشا” وفي القبائل “بالقايد” أو “العامل”، أما رئيس المحكمة القضائية فهو القاضي الشرعي –أي الذي يحكم وفق الشريعة الإسلامية والقانون الإسلامي- وكان المغاربة كلهم لا فرق بين المدن والقبائل العربية والبربرية يخضعون لمحكمة القاضي ثم لمحكمة الباشا أو القائد، كما كانت توجد أيضا محاكم الحسبة ووكيلها يسمى المحتسب، وهي تنظم الأسواق وتحدد الأسعار وتراقب المكاييل والموازين وتفصل فيما يتصل بهذه الموضوعات من أنواع النزاع والقضايا المختلفة..وكان “العمل الفاسي”، أو “العمل الرباطي”، أو “عرف البلد” أو “عرف القبيلة” على رأس الأمور التي تجعل لها هذه المحاكم الإسلامية تأثيرا مشروعا في تكييف القضايا والأحكام، ما دام العمل أو العرف غير متعارض مع أي مبدأ جوهري من مبادئ القانون الإسلامي، وعمدتها في ذلك الأصل الفقهي القائل “العادة محكمة”، وكان أهم اختصاص للمحاكم المخزنية أنها تحكم في الجنح والجنايات، وتقوم بتوزيع العقوبات، وتنفيذ أحكام القضاة، وضبط المجرمين، كما كانت تفصل في بعض القضايا المستعجلة تجارية ومدنية، وأما المحاكم القضائية فسلطتها أعلى، ودائرتها أوسع وأشمل، وقد كانت هذه المحاكم إلى حين بسط الحماية تتناول جميع أنواع القضايا التي تعرض للمغاربة المسلمين، سواء في ذلك قضايا الأحوال الشخصية وغير الأحوال الشخصية، وكانت تتناول أعلى رأس في البلاد، وتعلن أحكامها على السلطان نفسه، في جميع القضايا التي ترفعها الرعية أو ترفعها الخاصة الملكية، هذا وقضاتها مسمون من قبل السلطان، ومرشحون للقضاء من قبل وزرائه! وجاءت فرنسا فلم يرقها أن يظل القضاء الإسلامي متمتعا بهذه السلطة الواسعة الممتدة الجوانب، ولم يرقها أن تظل سلطة السلطان الشرعية ونفوذه الديني والمدني ممثلا بين المغاربة عن هذا الطريق، ورأت أنه إذا كان القضاء على هذه المؤسسات الكبرى منذ اليوم الأول أمرا من الصعوبة بمكان، فإن تضييق دائرتها، والتدرج في هذا التضييق كفيلان بالقضاء عليها وإعدادها للفناء من نفسها في يوم من الأيام.
انظر فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى64-63

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *