منعت السلطات عرض رواية “مذكرات مثلية” في المعرض الدولي للكتاب في العاصمة الرباط، وبررت وزارة الثقافة المغربية قرارها بأن الكتاب لم يكن مدرجا في اللائحة الأولية للكتب المعروضة.
إن تحرك السلطات لمنع هذه الرواية يعكس حجم الانتباه الكبير لدى الدولة للخطر الذي يتصيد ثقافة وقيم ومرجعية المغاربة، لأن موضوع “الشذوذ” لن يكون بحال من الأحوال استهدافا لقيمنا الدينية فقط بل هو تحريف متطرف للفطرة البشرية، خاصة بعد ثبوت علمية الأطاريح التي تؤكد أننا بصدد انحراف عن الطبيعة والفطرة يبرر بدعوى الحرية الفردية واختيار الميول الجنسي.
تحركات دور نشر معينة وجمعيات ومراكز أبحاث وهيئات حقوقية ونشطاء للتطبيع مع الشذوذ لن يكون في صالح الشعب المغربي. لأنه هدم مباشر للأعمدة المتينة التي ضَمِنت وحدتنا وتراصَّنا لقرون.
التطبيع مع الشذوذ هو البداية التي قصدتها هذه الجهات لما قررت إدخال مثل الرواية المذكورة لأروقة المعرض الدولي للكتاب، وذلك بدعوى فتح آفاق واسعة للنقاش حول موضوع له كامل الحق في البروز.
لا يدرك هؤلاء أن النقاش في مواضيع وفي مناسبات رسمية كدورة المعرض الدولي للكتاب، لا يكون في مواضيع لن تفيد المغاربة ولن تنهض بهم وتقويهم أمام التحديات المتزايدة يوما بعد يوم. والحال أننا أمام موضوع يستهدف قيم ومرجعية الشعب المغربي بل فطرته ومروءته.
ومن بين ما لفت انتباهي موقف الدكتور إدريس الكنبوري، معلّقاً على خبر منع رواية “مذكرات مثلية” من العرض في المعرض الدولي للكتاب قائلا أن عددا كبيرا من المفكرين والكتاب الأوروبيين كانوا ولا يزالون شاذين جنسيا؛ ولكنك لا تقرأ لهم شيئا عن شذوذهم ولا يجعلون حياتهم المرضية الخاصة محورا يدورون حوله. وأن جان بول سارتر كان شاذا؛ وقد كتب الكثير في الرواية والقصة والمسرح والفلسفة؛ ولكنك لن تجد لديه سطرا واحدا يتحدث فيه عن شذوذه، وكذلك الروائي الياباني يوكيو ميشيما كان شاذا؛ وقد ألف الكثير من الروايات وانتحر على طريقة الهاراكيري؛ ولكنه لم يقل شيئا عن شذوذه. وقد عاش ميشيل فوكو شاذا؛ لكنه لم يكتب شيئا عن شذوذه.
وتابع الكنبوري مدافعا على قرار وزارة الثقافة، قائلا أن الروائيين الذين ضرب بهم المثل وغيرهم من الأوروبيين كانوا يعتبرون شذوذهم شأنا خاصا؛ فلم يكونوا يتاجرون به؛ ولم يجعلوه وسيلة إلى نيل الشهرة في المجال العام؛ لأنهم كانوا يرون أن الشهرة تأتي من الإنجاز والإنتاج؛ وبسبب ذلك كانوا يحظون بالاحترام في محيطهم لأنهم يستترون.
وانتقد الكنبوري في تدوينته استعمال الكتاب العرب لحياتهم الشخصية، معتبرا أنهم وحدهم من يتاجرون بأي شيء؛ ويجعلون “أعطابهم النفسية والخلقية وسيلة إلى نيل الشهرة؛ ويمكنهم أن يدوسوا على آبائهم وأمهاتهم ويفضحوهم من أجل الشهرة”. مستغربا من تمكن هؤلاء من إيجاد سوق لهم بين “الغوغاء الذين يصارعون لكي يجعلوا لهم مكانا بينهم؛ هؤلاء يتاجرون باسم الحرية؛ وأولئك يتاجرون باسم الشذوذ”.
بعد عرض تعليق الدكتور الكنبوري، لا يسعني إلا أن أؤكد بأن الذين يحاولون اقتحام بيوت المغاربة ومحاضنهم التربوية وفضاءاتهم العلمية لنشر أفكار تخريبية لن يذكرهم أحد في تاريخ الأمة المغربية المجيدة، بل على العكس سيسجل تحاملهم وعمالتهم من خلال التطبيع مع الشذوذ، آفة العصر ونقمة ما بعد الحداثة.