لماذا اخترنا الملف؟

تتناول المشاريعُ العلمانية المختلفة الإسلامَ بحسب خلفياتها الفكرية والأيديولوجية تناولاً مختلفاً ولكنها تتفق جميعاً على أمرين:

الأول: أنهم جميعاً يتكلمون وكأنهم مختصون بتفسير الإسلام ومتبحرون في دراسة نصوصه دون اعتبار؛ لكونه ديناً له رؤيته ومصادره التي تحتاج إلى تخصص ودراية وهي غير متوفرة لدى أصحاب هذه المشاريع.
والأمر الثاني: أن هذه القراءات جميعها تتفق على طمس الإسلام الحقيقي الذي يدين به المسلمون جميعا، واعتباره ديناً طواه التاريخ، وعفا عليه الزمن، وأصبح مجرد ذكرى، ومن ثم تسعى لابتكار إسلام جديد لا يمت إلى الأول بأي صلة حتى الاسم لا يراد له أن يستمر لكي لا يفهم الآخرون أننا دوغمائيون ومتخَلّفون.
وقد تتبع الدكتور أحمد إدريس الطعان المقولات المتصلة بالإسلام في هذه القراءات وحاول أن يعرض نصوصها بشكل موجزٍ؛ ثم أحال القارئ الذي يرغب في التوسع أو التوثق إلى مصادر هذه النصوص ليراجعها في سياقاتها وإطاراتها الكاملة.
الدراسة التي أعدها الدكتور الطعان والتي استللنا منها هذا الملف تحمل اسم: “مآل الإسلام في القراءات العلمانية”؛ لم تعن بمناقشة أطروحات العلمانيين من باب أن عرض المذهب يغني عن نقضه؛ ولأسباب ثلاثة أخرى:
الأول: أنها دعاوى مجردة عن الاستدلال فهي مزاعم كبيرة جداً بدون أي محاولة للبرهنة.
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء
والثاني: أن أي مسلم بل أي عاقل لديه إلمام بالإسلام ومصادره وتاريخه يجد أن ما يطرحه هؤلاء العلمانيون لا يمت إلى الإسلام، وإنما هو تخرصات من وحي الفلسفة الغربية وحداثتها، تريد أن تتقمص شخصية الإسلام.
الثالث: الهدف من هذا البحث هو وضع القارئ أمام التصور العلماني للإسلام، والمآل الحقيقي الذي ينتهي إليه، وفضح هذه المشاريع العلمانية وكشف الأقنعة التي تتستر بها، وتعريتها أمام الباحثين عن الحقيقة.
ذلك أن الخطاب العلماني يدرس الإسلام وهو يستظهر الإيمان به كمقدس موحى به، ولكن التنقيب والاستقصاء يكشف أن المستبطن المولِّد يناقض ما هو معلن عنه نظرياً.
وهكذا يكشف لنا بحث الدكتور الطعان بالدرجة الأولى التناقض بين الظاهر والباطن في بنية المنظومة العلمانية، وهو ما يتنكر له الخطاب العلماني إذا ما جوبه به ويعتبره اتهاماً وبحثاً عن النوايا وتفتيشاً عن الضمائر.
وباختصار فالهدف من وراء البحث أن نقول للناس: انظروا ماذا يقول العلمانيون عن الإسلام، وكيف يتعاملون معه علماً أنهم يزعمون الانتماء إليه؟!
وقد تم الاعتماد في هذا البحث على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني -إلا في حالات نادرة-؛ وترك المجال للنصوص وحدها أن تتكلم، وللمنهج الوصفي الكشفي التركيبي في الحسم ومن ثمة الحكم؛ حتى لا نتَّهم بالتجني والتحامل.
وها هنا ملاحظة مهمة نود أن نلفت النظر إليها وهي أن الدراسة لم تتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين، وإنما تعاملت معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة، ولذلك تم اجتناب ذكر الأسماء وأحيل إليها في الهوامش، وتم الانتقال من نص إلى نص دون اعتبار لقائله ما دام يتكامل مع غيره في داخل السياج الأيديولوجي العلماني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *