ويحمان*: لهذا السبب تتكرر الاعتداءات على الأقصى كل رمضان.. والكيان الغاصب إلى زوال   حاوره: محمد زاوي

 

ما رأيكم بخصوص سياق الاقتحام الصهيوني الأخير للمسجد الأقصى؟ ولماذا تتكرر هذه الاعتداءات على حرمات المسلمين في شهر رمضان؟

 

باسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين .تحياتي لقراء السبيل ولطاقمها .

سياق الاقتحام الصهيوني الأخير للمسجد الأقصى تحكمه عدة خلفيات منها الثابت في الإيديولوجية الصهيونية والأساطير التلمودية المؤطرة لتمثلات واستراتيجيات وتاكتيكات كيان الاحتلال الصهيوني، ومنها مستجدات الظرفية، مكانيا وزمانيا، واعتبارات ما هو إقليمي ودولي .

فالثابت في المخطط الصهيوني، منذ إنشاء الكيان الغاصب، وحتى قبله، هو أن الهدف الصهيوني، على المدى الطويل، وقتها، (الذي أصبح المدى المتوسط والقصير اليوم)، يقضي بالاحتلال الكامل لفلسطين وتحويل القدس عاصمة موحدة لدولة هذا الكيان اليهودية الصرفة وهدم المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان المزعوم مكانه .

فهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانه هو واحد من أهم الأهداف الاستراتيجية في المخطط الصهيوني، كان سريا، ثم تم إخراجه للعلن ثم بدأوا في الترويج له ثم شرعوا في تنفيذ هذا المخطط تدريجيا، كما هي عادتهم ونظريتهم في ” قضم الأراضي العربية..”.

هكذا تابع العالم كله كيف تم البدأ بالدراسات ثم القيام بالحفريات لأغراض “الدراسة والبحث العلمي” ثم تعميق الحفر وبناء الأنفاق بأساسات المسجد.. ثم بداية الحديث عن الحقوق اليهودية في مسرى رسول المسلمين، ثم القيام بزيارات، ثم المطالبة بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد، ثم القيام بما يسمى بمسيرات الأعلام، ثم السعي لاحتلاله بتقديم ما يسمى القرابين وتخصيص جوائز هامة لمن يتمكن من الوصول لذبح القران فيه باعتبار أن ذبح البهيمة فيه هي الأمارة لماقبل الهدم والبناء؛ هدم المسجد وبناء الهيكل !

من هنا تابعت البشرية كلها هذا السعار الذي ميز السنوات الأخيرة من اقتحامات المسجد واستباحة مقصوراته وتدنيسه والاعتداء على المتعبدات والمتعبدين ومنع الصلاة والتضييق على المصلين من طرف جيش الحرب الصهيوني وشرطته العنصرية وقطعان مستوطنيه الذين تحميهم هذه القوات المحتلة لأداء طقوسهم التلمودية بباحاته ضدا على كل المواثيق والقرارات الدولية التي نظرت وحسمت في ملكية المسلمين الحصرية لكل مساحة ومرافق المسجد الأقصى !

أما لماذا تتكرر الاقتحامات في رمضان، فلأن الأجواء الروحانية وحج كل الفلسطينيين من مختلف المناطق للتعبد والاعتكاف في هذا المسجد “الذي باركنا حوله” كما يقول رب العزة، فهذه الأجواء وذلك الحضور بعشرات الآلاف للمصلين وقدسية الرحمن التي تكتنفه، من خلال المؤمنين والمؤمنات بكل تلك الكثافة.. ذلك الحضور، كما ونوعا، وتلك الأجواء الروحية والإيمانية، وتلك الحرارة وتلك الكيمياء وصورها في رمضان.. كل ذلك يجسد حقيقة أن هذا المكان لا يمكن أبدا، وقطعيا، إذا استمر كذلك، أن يسمح للمشروع والمخطط الصهيوني أن يمر .

من هنا هذا الاحتدام بين مشروع الاحتلال بالاستيلاء على المسجد الأقصى لبناء الهيكل، واستحالة تنفيذ المخطط مع هذا الواقع لحقيقة إسلامية الفضاء، بعون الله وصمود المرابطات والمرابطين !

وقد عشنا هذه الأيام ذروة الاحتدام، خصوصاً بعد صعود الحكومة الحالية الأكثر فاشية من سابقاتها، والتي كادت أن تشعل المنطقة كلها إثر المواجهات التي اندلعت باقتحام الأقصى مجددا ومحاولة منع المتعتكفين من مواصلة اعتكافهم الرمضاني هناك .

 

أدان الموقف المغربي الرسمي هذه الاعتداءات ودعا إلى “احترام الوضع القانوني والديني والتاريخي في القدس والأماكن المقدسة”؛ كيف تقيمون هذا الموقف؟

 

الموقف الرسمي المغربي من اقتحامات المسجد الأقصى واستباحات مقصوراته وبعثرة كتاب الله الحكيم والاعتداء على المصلين وهم وقوف مكبرين بين يدي الله وقتل طبيب شاب جاء ليصلي ولا يحمل إلا سجادته فوق كتفه والاعتداء على المتعبدات وجرهن من أرجلهن وسحلهن حتى انكشفت عوراتهن…الخ…

الموقف الرسمي المغربي الذي لم يتم التعبير عنه إلا بعد مدة، وبعد أن ثار العالم كله بما في ذلك حلفاء الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، بل وعدد من الإسرائليين في الكيان نفسه.. هو موقف أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه مخجل! ثم إنه “بلا معنى مع استمرار العلاقات مع هذا الكيان”، إذ ما معنى أن تحتج على تدنيس مسرى رسول المغاربة ومليارين من المسلمين الذي يمنع المؤمنين من أداء صلواتهم ويهينونهم ويقتلونهم… ثم تجلس وتتعامل، لا بل وتتحالف مع هذا العدو؛ عدو المغاربة والعرب والمسلمين، عدو الله ورسوله وعدو الأمة !

هذا تناقض ونفاق والضحك على ذقون المغاربة والفلسطينيين والعرب والمسلمين وكل أحرار العالم… وما يضحكون إلا على أنفسهم وما يشعرون في الحقيقة.. وسوف يندمون !

خلاصة القول في هذه النقطة هي أن أي كلام عن فلسطين ودعم كفاح الشعب الفلسطيني العادل هو لغو وكذب إذا لم يتم إلغاء اتفاقية الخزي والعار وإغلاق مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط الذي حوله رئيس ما يسمى البعثة الدبلوماسية الصهيونية، المجرم السلݣوط غوفرين إلى ماخور=بورديل، يستحيي ويغتصب فيه المغربيات ويدوس بذلك شرف المغاربة ويشرف، من خلاله، خلفاؤه من بعده، على أجندة إشاعة فاحشة الشذوذ الجنسي في مختلف أقاليم البلاد، وهو ما كشفه وفضحه المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، بالصور والأدلة القاطعة… ومنها مهرجان سيدي قاسم الذي افتتحه غوفرين بآية من القرآن ونظمته جمعية الشذوذ الجنسي ومثل فيه جامعة بن غوريون الصهيونية ممثل الشواذ المغاربة في المهرجان الدولي السنوي للشواذ في الكيان الصهيوني… الخ… الخ  هذا المهرجان الذي شاركت فيه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من خلال ” العالم ” المدعو لحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي للصخيرات تمارة !!!

 

يعيش الكيان الصهيوني حالة من الصراع الداخلي، هناك من حذر إثرها من حرب أهلية، ما هي في نظركم أسباب ونتائج ذلك؟

الصراع الداخلي الحاد الذي يعيشه الكيان، والذي بلغ مستويات غير مسبوقة مرتبط بطبيعة هذا الكيان كمجتمع متنافر وغير متجانس لخليط من الأجناس والأعراق والثقافات والانتماءات حاولت الشركات الإحتكارية العالمية أن تجمعها على أساس إيديولوجي صهيوني عنصري وعلى أساس يتوبيا دينية خرافية، أو ما أسماه المفكر اليساري الفرنسي روجي غارودي بـ”الأساطير المؤسسة لإسراييل” التي اختارها عنوانا لإحدى أهم دراساته التي أثارت جدلا كبيرا في حينه .

فهذه التناقضات المتفجرة اليوم هي من طبيعة هذه العصابات من المستوطنين الذين تم استحلابهم من كل المناطق في مختلف القارات وحاولوا صنع مجتمع ودولة بها للحفاظ على مصالح الشركات الإحتكارية العالمية التي ترعاها النخب السياسية الحاكمة في الدول الاستعمارية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .

إنه مجتمع قائم على أكبر كذبة طال انطلاؤها على العالم وبلغت أوجها ولم يعد ممكنا مواصلة فرضها على العالم، لاسيما بعد انقلاب موازين القوى لصالح المقاومة الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطيني العادل وانكشاف الطابع العنصري للكيان الذي أدانته وفضحته كبريات المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها، منظمة العفو الدولية (امنيستي انترناسيونال) وهيومن رايت ووتش في تقريريهما الأخيرين الذين اعتبرتا فيه ” إسرائيل ” نظاما للفصل العنصري (أبارتهايد) .

بل إن مقررة الأمم المتحدة للأوضاع في فلسطين المحتلة صرحت، يومه الأحد 16 ابريل 2023 ونحن نجيب عن أسئلة السبيل بأن عنصرية إسرائيل واحتلالها وغطرستها ضد الشعب الفلسطيني بلغ مستويات تجاوزت كل الحدود وأن على كل دول العالم أن تتحمل مسؤولياتها إزاء هذا الشعب المظلوم وان هناك حاجة ماسة لقوات دولية توفر له الحماية وتمكنه من حقه في تقرير مصيره كواحد من أهم حقوق الإنسان وحقوق الشعوب المضمنة في ميثاق الأمم المتحدة .

ومن مستجدات تفاقم التناقضات داخل الكيان هو انتقال العنصرية من ممارستها على الآخر؛ الشعب الفلسطيني إلى ممارستها على الذات، بحيث أصبحت العنصرية اليهودية الغربية (الأشكناز) تمارس على اليهودية الشرقية (السفرديم) وعنصرية هذين المكونين الصهيونيين على اليهود الفلاشا (الأفارقة ذوو البشرة السمراء) ثم عنصرية رجال الدين الحارديم على العلمانيين والرجال ضد النساء بخلفيات تلمودية، ويضاف لكل هذا خلافات وتناقضات الأصول الجغرافية والاحتقان بين اكبر جاليتين؛ الروس والمغاربة واكتشاف ان آلاف الإسرائليين ما هم بيهود أصلا وإنما مسيحيين أرمن في غالبية المهاجرين الروس خلال الموجات الأخيرة من الهجرات التي كانت بدوافع اقتصادية محضة ، ولا يؤمنون بأية أدبيات يهودية، بل إن بعضهم ما يزال يمارس طقوسهم الدينية المسيحية وبدأوا يهاجرون هجرة معاكسة بالعودة إلى أوطانهم بعد تفجر الوضع الأمني… الخ

كل هذا وما ترتب عنه من مواجهات في شوارع الكيان ومظاهرات صاخبة، لاسيما بعد ما يسمى بالانقلاب القضائي، وكل ما يعيشها الكيان من اهتزازات وعدم استقرار سياسي من تعاقب الانتخابات المبكرة وعدم اكتمال أية ولاية منذ عدة سنوات ينم عن أزمة حقيقية أصبح يتحدث عنها قادة وقادة قادة الكيان، وبوضوح، على أنها أزمة وجودية ومصيرية تتهدد هذا الكيان وتطرح مدى إمكانية استمراره في الأفق المنظور! رؤساء الوزراء السابقين.. رؤساء أركان الجيش.. مدراء الاستخبارات.. رئيس الكيان نفسه… الخ..  يهودا باراك.. مائير داغان..  نفتالي بينيت.. الجنرال إسحاق بريك  الذي شبه الكيان بباخرة التايتانيك وسط الامواج العاتية ؛ أي أن مصيره، مثل مصير التايتانيك، الغرق في النهاية.. يعقوب شاريت، أحد الأدمغة الاستخبارية وبن من قرأ إعلان ما يسمى “دولة إسرائيل” موشي شاريت، أول وزير خارجية الكيان..

يعقوب شاريت (96 سنة) يقول بأن أكبر جريمة في تاريخ اليهود هي إنشاء “دولة إسرائيل” التي قال عنها بأنها بنت خطيئة (بنت زنا).. وأضاف، بعد أن حمد الله على أن أحفاده كلهم في نيويورك، بأن على الإسرائيليين أن يعودوا من حيث أتوا قبل فوات الأوان، وأن هذه هي آخر نصيحة يتوجه بها إليهم، لاسيما بعدما أصبحت صواريخ المقاومة الفلسطينية تصل إلى عمق المدن الإسرائيلية، وهي نفس وديعة مؤسس الكيان، دافيد بن غوريون الذي أوصى بانه، إذا قدر يوما أن تقوم أية حرب بما كان يسميه الأراضي المحررة، فإن عليكم (يقصد الإسرائيليين) أن تحزنوا حقائبكم وتبحثوا لكم عن بديل!

فأسباب هذه التناقضات هي داخلية من صميم وطبيعة الكيان كمجتمع هجين لا يمكن له الاعتبارات التي أسلفنا أن يكون منسجما أبدا، انضافت إليها اسباب التطورات التي ميزت السنوات الأخيرة في تطوير المقاومة الفلسطينية لأدائها وكذا التطور الهائل في إمكانية المقاومة اللبنانية وبداية تعافي سوريا من محنة عشرية النار والتحاق الساحة العراقية واليمنية إلى حلف القدس الذي ترعاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية ماديا وسياسيا وديبلوماسيا.. وينضاف إلى كل ذلك تطورات الوضع الدولي مع الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا وتبعاتها على الكيان وحلفائه ورعاته الغربيين.

أما النتائج فإننا في بداياتها، وأهم عنوان منها هو بداية العد التنازلي لزوال كيان الغصب بوعد الله ومنطق التاريخ وما ينطق به التحليل الملموس للواقع الملموس.

يرونه بعيدا ونراه قريبا.. وما النصر إلا من عند الله العزيز القهار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *