تتفيه الشباب وثقافة “حمير وبخير”

من صور تتفيه الشباب ترويج بعض وسائل الإعلام لشباب يمجدون الحمار ويجعلونه مثلهم الأعلى، معبرين بذلك في نظرهم عن تمردهم على المجتمع وقوالبه الجامدة والجاهزة وتقاليده البالية، فقد أسس هذا التوجه ثلاثة شبان مغاربة يتميزون بلباسهم الغريب وقصات شعرهم المثيرة وقمصانهم التي تتضمن تقليدا في الشكل لشعار شركة “بوما”، وعلى هذه القمصان رسم لحمار وكلمة حمار بخط عريض باللغة الفرنسية “hmar”، وتحتها عبارة “بيخير”، ولم يقف الأمر عند إعجاب والتحاق بعض الشباب بهذا التوجه الجديد بل تعداه إلى بعض الصحفيين المنادين بالحرية الفردية كمدير مجلة نيشان و”تيل كيل” الذي سبق أن احتفى بالتوجه الحماري وكتب مقالا بعنوان “كلنا حمير”، وكذا خالد الجامعي الذي سئل حول رمز الحزب الذي يصوت عليه في الانتخابات البرلمانية، فأجاب بصراحة: “بما أنهم يعتبروننا حميرا في هذه البلاد فإن رمزي هو “حمار وبيخير” وكان مرتديا لقميص من القمصان التي تميز جماعة “حمير وبيخير”.
وبالرجوع إلى ثقافتنا نجد أن العرب سمت بعض أبناءها ببعض أسماء الحيوانات وذلك لما لحِظتْهُ مِن معنى حسنٍ مراد: “فالكلبُ لما فيهِ من اليقظة والكسْب، والحمارُ لما فيه مِن الصَّبر والجلد، وهكذا..” (انظر معجم المناهي اللفظية).
قال النووي رحمه الله تعالى: “ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه: يا حمار.. فهذا قبيح لوجهين، أحدهما: أنه كذب. والآخر: أنه إيذاء، وهذا بخلاف قوله: يا ظالم ونحوه، فإن ذلك يسامح به لضرورة المخاصمة، مع أنه يصدق غالباً، فقلَّ إنسان إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها” اهـ (انظر الأذكار ومعجم المناهي اللفظية).
بل ذهب سلفنا إلى أبعد من ذلك حيث اعتبروا سبَّ الكلب مثلا بـ”الكلب ابن الكلب” مخالف للسلوك الحسن وللكلم الطيب، مع أنه في حقيقة الأمر هو كلب ابن كلب، ففي شرح الإحياء للزبيدي: “قال تاج الدِّين -أي السبكي-: كنت جالساً بدهليز دارنا فأقبل كلب، فقلت: اخسأ كلْب بن كلب، فزجرني الوالد من داخل البيت، فقلت: أليس هو كلب بن كلب؟ قال: شرط الجواز عمد قصد التحقير، فقلت: هذه فائدة”.
فتأمل سمو الثقافة ونبل أخلاق السلف!
وإذا كان المقصود بحركة “حمار وبخير” إنكار المنكر، وإظهار الظلم الواقع على المواطنين كالحمير، فإن لرفع الظلم طرقا أخرى فيها تكريم للإنسان مع تحقيق الغاية المرجوة من أمر بالمعروف وإنكار للمنكر كما كان عليه سلفنا، دون تتفيه لعقول الشباب وتمييع لمعنى ردّ الظلم وإحقاق الحق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *