أرجع العلامة الألباني رحمه الله تعالى أسباب الابتداع إلى عدة أمور فقال:
الأول: أحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها ولا نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومثل هذا لا يجوز العمل به عندنا على ما بينته في مقدمة “صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم” وهو مذهب جماعة من أهل العلم كابن تيمية وغيره.
الثاني: أحاديث موضوعة أو لا أصل لها، خفي أمرها على بعض الفقهاء فبنوا عليها أحكاماً هي من صميم البدع ومحدثات الأمور!
قلت: وهذان السببان يعودان إلى الجهل بالسنة النبوية عامة، والجهل بعلم مصطلح الحديث خاصة، فكثير ممن يقعون في البدع لا يفرقون بين ما يصح الاستدلال به من الأحاديث وبين ما لا يصح فلا يعرفون الحديث الصحيح من الضعيف والموضوع. ويأخذون الحديث من أي مصدر كان حتى من كتب الموضوعات، كمثل ذلك الخطيب الذي كان يخطب الجمعة فقال في خطبته: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الموضوع كذا وكذا..، ولا يعرف هذا المسكين ما هو الحديث الموضوع؟!
مع أن أهل العلم متفقون على أنه لا يجوز العمل بالحديث الموضوع لأنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن كثيراً من البدع استندت إلى أحاديث موضوعة متهافتة (انظر البدع الحولية ص:51-52).
الثالث: اجتهادات واستحسانات صدرت من بعض الفقهاء خاصة المتأخرين منهم لم يدعموها بأي دليل شرعي، بل ساقوها مساق المسلمات من الأمور، حتى صارت سنناً تتبع! ولا يخفى على المتبصر في دينه أن ذلك مما لا يسوغ اتباعه، إذ لا شرع إلا ما شرعه الله تعالى، وحسب المستحسن -إن كان مجتهداً- أن يجوز له هو العمل بما استحسنه، وأن لا يؤاخذه الله به، أما أن يتخذ الناس ذلك شريعة وسنة فلا ثم لا. فكيف وبعضها مخالف للسنة العملية..
رابعاً: عادات وخرافات لا يدل عليها الشرع ولا يشهد لها عقل وإن عمل بها بعض الجهال واتخذوها شرعة لهم ولم يعدموا من يؤيدهم ولو في بعض ذلك ممن يدعي العلم ويتزيا بزيهم. (مناسك الحج والعمرة ص:44-45).
ويضاف إلى ما قاله الشيخ الألباني رحمه الله أن من أسباب البدع أيضاً تحيكم العقل في النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الواردة في العبادات مع أن العقل لا مدخل له في هذا الباب لأنه لا يستطيع أن يدرك أسرار التشريع في العبادات، فلو سأل أعقل الناس نفسه لماذا نصلي المغرب ثلاث ركعات؟ ولماذا نصلي العشاء أربعاً؟ لما وجد جواباً مقبولاً عقلاً.
ولو سأل آخر نفسه لماذا نصلي التراويح جماعة ولا نصلي سنة العشاء جماعة؟ مع أن كلاً منهما سنة؟
ولو قلنا لماذا نقرأ القرآن في الصلاة حال القيام؟ ولا نقرأه حال الركوع والسجود؟ والقرآن هو القرآن.
فالأصل في هذا الباب أن لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع ولا بد من الوقوف عند موارد النصوص، فإن الله سبحانه وتعالى جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداه ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب كما قال الشاطبي في الاعتصام 2/318.