ليبيا بلد يفتقر لكثير من العناصر السياسية المؤثرة في المنظومة الدولية، فلا ثقل سكاني يحسب حسابه ويوضع في الاعتبار (أقل من 9 ملايين نسمة)، ولا أهمية جغرافية تؤثر في الخريطة الدولية، ولا تأثير يذكر على الملفات والقضايا الهامة في المنطقة، بالجملة هو بلد فقير في غالبية مرتكزات الاهتمام الدولي، إلا أنه يمتاز بالثراء الضخم وربما المهول في مصادر الطاقة الأهم في عالمنا المعاصر، وهما البترول والغاز الطبيعي.
فليبيا واحدة من المنتجين الكبار للبترول والغاز في العالم، وبها حقول بترول وغاز مستغلة وآخرى بكر عذراء تقدر الاحتياطات فيها بمليارات المكعبات والبراميل، وهذا الثراء الطبيعي الضخم الذي صنع لليبيا مكانة خاصة في المشهد السياسي الدولي، وهو المشهد الذي تحكمه المصالح والعلاقات التبادلية أكثر من المبادئ والأخلاق والمثل.
ومن هذا المنطلق بات الموقف الأوروبي والأمريكي الذي راهن عليه الكثيرون موضع اتهام وشك كبيرين، خاصة بعد الردود الباهتة والمواقف السلبية التي صدرت من العديد من الأطراف الدولية، فالنفط والغاز الطبيعي أكبر المحدّدات الجغرافية السياسية التي تسيطر على حسابات السياسة الدولية في الغرب؛ ففي الوقت الذي يواصل فيه الأحمق المطاع وجيوش المرتزقة الأفارقة، إغراق البلاد في حمامات الدماء، وأعداد القتلى تزداد يوما بعد يوم وباطراد كبير ولم تستطع أي جهة أن تحصي أعدادهم بدقة، في هذا الوقت يبدو أن قادة الغرب منشغلون بإحصاء خسائرهم المتوقعة من جراء ارتفاع أسعار النفط، واهتزاز أسواقه العالمية، وتوقف عمليات التنقيب والبحث عنه، خاصة وأن معظم آبار البترول الليبية الكبيرة تقع في شرق البلاد، الذي خرج بالفعل من قبضة القذافي وأصبح في يد الثوار.
الغرب كان منافقا لأقصى درجة وهو يرى مرتزقة القذافي يهجمون بمنتهى الوحشية علي مدينة الزاوية (100 كيلومتر عن طرابلس) ويقتلون الكثير من أبنائها، رأي الغرب ذلك فلم يتكلم أو يشجب أو حتى يعلق، ذلك لأن المدينة هي القلب النابض لتكرير النفط الآتي من الحقول النفطية الغربية وتصديره، فالنفط العربي أثمن بكثير جدا بل لا يقارن أساسا بالدم العربي، خاصة إذا كان دم المسلمين، والمسألة ليست سلام دولي ومواثيق عالمية وهيئات أممية، بل مصالح في مصالح، ورفع الحصار الجوّي الذي كانت واشنطن قد فرضته على بلاد «ملك ملوك أفريقيا!!!» بعد حادثة لوكربي، يندرج في هذا الاتجاه؛ ففي طرفة عين، رُفع الحظر، ودخلت إلى ليبيا أكثر من 100 مؤسسة نفطية للتنقيب عن النفط، في مقابل ما يقال إنه يبلغ 200 مليار من الدولارات التي جناها القذافي وحاشيته بفضل هذه العقود النفطية.
كما لا يجب علينا أن ننسي عقود شراء السلاح السخية التي حرص القذافي علي إبرامها مع الدول الأوروبية منذ عودة العلاقات الطبيعية بين ليبيا والغرب سنة 2005، فطائرات عمودية من إيطاليا بـ 400 مليون دولار، تستخدم الآن في قصف جموع الثوار، ورشاشات من مالطة بـ 80 مليون دولار في يد المرتزقة والتشكيلات الخاصة لاستهداف الجماهير الليبية الثائرة في وجه الطاغية المهووس، وأجهزة رادار من ألمانيا استخدمت للتشويش على الفضائيات وقطع الاتصالات، هذه العلاقات والمصالح المالية الكبيرة لم يكن الغرب المنافق ليضحي بها من أجل عيون الشعب الليبي.
هذه الحقائق كلها عن الداخل والخارج الليبي تجعل مسلمي الشعب الأحرار يقفون على حقيقة واحدة وأرض ثابتة، أنه لا ناصر لهم إلا الله عز وجل، وأن التوكل عليه وحده هو العنصر الحاسم في النصر، فدول الجوار عاجزة، والهيئات العربية ميتة، والغرب منافق لأقصي درجة، ولا يهمه سوى النفط والغاز العربي ومصالحه الخاصة فقط، والعدو مجنون وأحمق مطاع يتوقع منه فعل كل المحظورات وانتهاك كافة المحرمات، وبالتالي فإن هذه المعادلة التي تبقي معادلة صعبة ومختلة بكل المقاييس لن يحلها سوي الله عز وجل؛ الذي بقوته وحده والتوكل عليه سبحانه سوف ينصر أهل ليبيا على طاغوتهم المختل. (يا أهل ليبيا.. ليس لكم إلا الله؛ شريف عبد العزيز بتصرف).