كل مقومات التخلف والمؤامرة والفساد والإفساد والتسلط والتزوير وسوء التدبير؛ تجتمع في الإعلام العربي؛ خاصة قبل حقبة ما سمي بالربيع العربي. فقد كان هذا الإعلام بوق الأنظمة المتسلطة الشمولية، يسبح بحمدها ليلا ونهارا، ويمارس على الأمة التضليل والإضلال، بالمقابل كان هذا النظام أو ذاك يطلق له الحبل على الغارب، دون حسيب ولا رقيب.
فرأينا كيف ارتبط الإعلام بنظام بوليسي قمعي في تونس، فأخذ كل صفاته وتلون بجميع ألوانه كالحرباء، ومارس الإقصاء والقمع والإرهاب، على طريقة سيده.
وكيف ارتبطت إمبراطورية الإعلام بنظام عميل في مصر، فكانت كسحرة فرعون.
وكيف ارتبط الإعلام بنظام أخرق أحمق في ليبيا، حتى أن الإعلاميين يقلدون قائدهم في التهديد والوعيد والحركات والسكنات، وما قصة هالة المصراتي ببعيدة.
واليمن وسوريا و..و..و اللائحة طويلة، إعلام ساهم في تخلف الأمة وتأخرها وساهم في تغييبها وتخديرها وبرر قمعها وظلمها، وكان قلعة من قلاع الفساد، وحصنا من حصون التبعية والإلحاق، وبوقا من أبواق التغريب والعلمنة والاستعمار الفكري والثقافي، ورمزا من رموز أنظمة القهر والاستبداد.
فما كان من الجماهير إلا أن قامت لتكنسه وتحرر الأمة من جبروته وطغيانه، وتقدم عتاة مجرميه ومفسديه للمحاكمة والمحاسبة والمساءلة، فحققت مرادها في بعض البلاد، كليا أو جزئيا، رغم مقاومة الفلول والجيوب، وعجزت في أخرى عن تحقيق مرادها.
في المغرب ارتبط إعلامنا إما بالسلطة والأجهزة الأمنية؛ ولم يكن مستقلا أبدا؛ حيث جمع إدريس البصري مثلا بين وزارة الداخلية ووزارة الإعلام. أو ارتبط بجهات فرانكفونية وعلمانية متطرفة، جعلت منه منبرا لتمرير أيديولوجيتها وثقافتها المادية العفنة.
وعلى سبيل المثال نجد أن القناة الثانية، راكمت طوال عمرها البالغ ثلاث وعشرين سنة، بث عشرات من المسلسلات المكسيكية والكولومبية والبرازيلية والتركية بثقافتها وأمراضها وانحرافاتها، وقربتها من المشاهد المغربي مدبلجة بلغة دارجة مستفزة تحكي وتصف وتسرد قصص المغامرات الغرامية والجنسية والشاذة، وبعد مهرجانات الرقص وتحويل القناة إلى كابريه وعلبة ليلية بامتياز، وبعد برامج التطبيع المتتالية والمتوالية، مع الشذوذ واللواط والشرك والصهيونية وغيرها من عقائد وأفكار الانحراف والضلال.
وقد تحدث الناس عن الخصوصية والاستثناء والاستقرار، وقالوا لنا أننا سنحقق ما حققته باقي الشعوب من كرامة وعزة وحرية، لكن بدون تضحية ولا ثمن، فقط عن طريق لعبة سحرية، ستعطي كل ذي حق حقه، فكان الشعار الرنان الذي أوصل إخوان العدالة والتنمية لكراسي التسيير والتدبير، هو محاربة الفساد والاستبداد، ولاشك أن أبرز تجليات هذا الفساد وتمثلاته تكمن في الإعلام العمومي الذي عاث في الأرض والفضاء والأخلاق والأموال إفسادا طولا وعريضا.
من خلال تبنيه لسياسة تستهدف عقيدة وأخلاق الشعب المغربي، عن طريق إمطاره بوابل من أفلام وكليبات الدعارة، ومهرجانات العري، والترويج لكل ما يخالف دين المغاربة من قمار ويناصيب وثقافة الزنا والمخادنة والخيانة الزوجية.
أو من خلال التسيير والتدبير الكارثي، لمسؤولين ومسيرين دون المستوى أثبتوا فشلهم وعجزهم وعدم كفاءتهم، كل ما استطاعوا فعله هو مراكمة الديون والعجز بأرقام فلكية.
ختاما إننا أمام فساد وإفساد حقيقيين، وتبذير وتضييع للمال العام دون حسيب ولا رقيب، وتسويق وترويج للرداءة والتفاهة، والأرقام والتقارير واضحة، والجناة والمسؤولون معروفون، ونذكر أن الشعب المغربي طالب بإسقاط البوليس الإعلامي ومحاسبة مسؤوليه، واعتقد أن دستورا جديدا وحكومة جديدة ستفي بالغرض، فاختار هذا الطريق.
إن الإصلاح على الطريقة المغربية التي تم الترويج لها يقتضي على الأقل إعادة النظر في السياسة الإعلامية المتبعة، ومحاسبة المسؤولين الفاشلين عن الوضعية التي أوصلوا إليها إعلامنا، هذا أقل إجراء، حتى نقتنع فعلا أن هناك إصلاحا وإرادة للتغيير بطرق تجنب بلدنا الانزلاق نحو منزلقات خطيرة.