للصرع أسباب عديدة لا يمكن استقصاؤها كلها، لكن يمكن الإشارة إلى أهمها وأبرزها، وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أهمها بقوله:
“وصرعهم للإنسان قد يكون عن شهوة، وهو كما يتفق للإنس مع الإنس، وقد يتناكح الإنس والجن..، وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عليه، وكره أكثر العلماء مناكحة الجن، وقد يكون -وهو كثير- عن بغض ومجازاة، مثل أن يؤذيهم بعض الإنس، أو يظنوا أنهم تعمدوا أذاهم إما ببول على بعضهم، وإما بصب ماء حار، وإما بقتل بعضهم وإن كان الإنسي لا يعرف ذلك، وفي الجن جهل وظلم فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه، وقد يكون عن عبث منهم وشر بمثل سفهاء الناس”. (البيان المبين في أخبار الجن والشياطين، ص:66-65).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه وصرع الجن هو لأسباب ثلاثة:
– تارة يكون الجني يحب المصروع فيصرعه ليتمتع به، وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل.
– وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صب عليهم ماء حار، أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى، هذا أشد الصرع. وكثيراً ما يقتلون المصروع.
من هنا يمكن إجمال أسباب مس الجن للإنس فيما يلي:
1- عشق الجن للإنس: وذلك في حالة “كشف العورة في البيت دون ذكر الله تعالى، وقد يكون هناك من الجن العامر أو الطرق من يراها فيعجب بها ويتعشقها..، ومن ذلك دخول الخلاء للغسل والاستحمام دون ذكر الله تعالى قبل الدخول، كذلك جماع الرجل أهله دون ذكر الله تعالى قبل الجماع..”. (المنهج القرآني في علاج السحر والمس الشيطاني ص63-62).
2- ظلم الجن للإنس: حيث يكون الجني محباً للظلم فيتعدى على الإنسي بدون سبب، وهذا النوع من الجن يبحث عمن تكون نفسه ضعيفة وشخصيته مهزوزة للتلبس به.
3- البعد التام عن شرع الله: حيث نجد أغلب المصابين بالمس والصرع ممن ترك أوامر الله واتبع هواه، وحكمه في حياته كبديل عن المنهج الإلهي، ولا يلتزم بآداب السنة في الدخول إلى الخلاء والنوم..، فيكون بذلك لقمة سائغة سهلة للشيطان، ويدخل الجني في بدن الإنسان كما سبق الذكر عندما تكون شخصيته ضعيفة مهزوزة أو يترصده حتى يضعف، وهذا الضعف والاهتزاز في الشخصية يكون في أربع حالات:
1-الغضب الشديد.
2- الخوف الشديد.
3- الانكباب على الشهوات.
4- الغفلة الشديدة.
وهذا كله مع إمكان أن يؤذي الجنيّ الظالم العبد الصالح أو الأمة الصالحة، ابتلاء من الله تعالى لهما لرفع درجتهما، كما في قصة أم زفر رضي الله عنها: فعن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: “ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك؟ فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها). (متفق عليه).
والظاهر أن الصرع الذي كان بهذه المرأة الصالحة كان من الجن.
قال الحافظ بن حجر في الفتح: (وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني، -والخبيث هو الشيطان- فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها.. ثم قال: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط” اهـ. )فتح الباري 10/115).